هو سابع أئمة أهل البيت عليهم السلام
، الكبير القدر العظيم الشأن، الجاد في العبادة المشهور بالكرامات، الكاظم الغيظ والعافي عن الناس، العبد الصالح وباب الحوائج إلى الله كما هو المعروف عند أهل العراق.
١ ـالأب
: هو سادس أئمة أهل البيت بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
أبو عبد الله جعفر ابن محمد الصادق معجزة الإسلام ومفخرة الإنسانية على مرّ العصور وعبر الأجيال، لم تسمع الدنيا بمثله فضلا ونبلا وعلماً وكمالا.
٢ ـالأم
: لقد كانت أم الإمام موسى الكاظم عليه السلام
من تلكم النسوة اللاتي جلبن لأسواق يثرب وقد خصّها الله بالفضل وعناها بالشرف فصارت وعاءً للإمامة والكرامة وتزوّج بها أبو عبد الله، فكانت من أعزّ نسائه وأحبهن إليه، وآثرهن عنده.
واختلف المؤرخون اختلافاً كثيراً في نسبها فقيل : إنها أندلسية، وتكنّى لؤلؤة
وقيل : إنّها رومية
، وقيل إنها من أجلّ بيوت الأعاجم
، وكانت
ــــــــــــ
السيدة حميدة تعامل في بيتها معاملة كريمة، فكانت موضع عناية وتقدير عند جميع العلويات، كما أن الإمام الصادق عليه السلام
كان يغدق عليها بمعروفه، وقد رأى فيها وفور العقل والكمال، وحسن الإيمان وأثنى عليها ثناءً عاطراً، فقال فيها:(حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب، مازالت الأملاك تحرسها حتى أديت إليّ كرامة من الله وللحجة من بعدي...)
، وقد غذّاها الإمام الصادق بعلومه حتى أصبحت في طليعة نساء عصرها علماً وورعاً وإيماناً، وعهد إليها بتفقيه النساء المسلمات وتعليمهن الأحكام الشرعية
، وأجدر بها أن تحتل هذه المكانة، وأن تكون من ألمع نساء عصرها في العفّة والفقه والكمال.
٣ ـالوليد المبارك
: وامتدّ الزمن بعد زواج الإمام بها، وسافر الإمام أبو عبد الله إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، فحملها معه، وبعد الانتهاء من مراسيمه قفلوا راجعين إلى يثرب، فلمّا انتهوا إلى (الأبواء)
. أحسّت حميدة بالطلق فأرسلت خلف الإمام تخبره بالأمر، لأنه قد عهد إليها أن لا تسبقه بشأن وليده، وكان أبو عبد الله يتناول طعام الغداء مع جماعة من أصحابه، فلما وافاه النبأ المسرّ قام مبادراً إليها فلم يلبث قليلاً حتى وضعت حميدة سيداً من سادات المسلمين، وإماماً من أئمة أهل البيت عليهم السلام
.
لقد أشرقت الدنيا بهذا المولود المبارك الذي ما ولد ـ في عصره ـ أيمن، ولا أكثر عائدة ولطفاً على الإسلام منه. لقد ولد أبرّ الناس، وأعطفهم على الفقراء، وأكثرهم عناءً ومحنة في سبيل الله وأعظمهم عبادة وخوفاً من الله.
وبادر الإمام أبو عبد الله فتناول وليده فأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى.
ــــــــــــ
وانطلق الإمام أبو عبد الله عائداً إلى أصحابه، وقد علت على ثغره ابتسامة فبادره أصحابه قائلين: أسرّك الله وجعلنا فداك يا سيدنا ، ما فعلت حميدة ؟ فبشرهم بمولوده المبارك، وعرّفهم عظيم أمره قائلاً:(قد وهب الله لي غلاماً، وهو خير من برأ الله)
.
أجل أنه خير من برأ الله علماً وتقوىً وصلاحاً، وتحرّجاً في الدين وأحاط الإمام أصحابه علماً بأن وليده من أئمة أهل البيت عليهم السلام
الذين فرض الله طاعتهم على عباده قائلاً لهم:(فدونكم، فوالله هو صاحبكم)
.
وكانت ولادته في سنة (١٢٨ هـ)
وقيل سنة (١٢٩ هـ)
وذلك في أيام حكم عبد الملك بن مروان.
٤ ـحب وتكريم
: وقطع الإمام موسى شوطاً من طفولته وهو ناعم البال يستقبل الحياة كل يوم بحفاوة وتكريم، فأبوه يغدق عليه بعطفه المستفيض ، وجماهير المسلمين تقابله بالعناية والتكريم ، وقد قدمه الإمام الصادق عليه السلام
على بقية ولده، وحمل له من الحب ما لا يحمله لغيره، فمن مظاهر ودّه
ــــــــــــ
أنه وهب له قطعة من أرض تسمى البسرية، كان قد اشتراها بست وعشرين ألف دينار
.
وتكلّم الإمام موسى وهو طفل بكلام أثار إعجاب أبيه فاندفع أبوه قائلاً:(الحمد لله الذي جعلك خلفاً من الآباء، وسروراً من الأبناء، وعوضاً عن الأصدقاء)
.
٥ ـصفته
: كان أسمر شديد السمرة
، ربع القامة، كث اللحية
ووصفه شقيق البلخي فقال: كان حسن الوجه ، شديد السمرة، نحيف الجسم.
وحاكى الإمام موسى في هيبته هيبة الأنبياء، وبدت في ملامح شكله سيماء الأئمة الطاهرين من آبائه، فما رآه أحد إلاّ هابه وأكبره.
٦ ـنقش خاتمه
: (الملك لله وحده)
.
٧ ـكناه
: أبو الحسن الأول ، أبو الحسن الماضي، أبو إبراهيم، أبو علي، أبو إسماعيل.
٨ ـألقابه
: أمّا ألقابه فتدل على بعض مظاهر شخصيته، وجملة من جوانب عظمته، وهي كما يلي:
الصابر
: لأنه صبر على الآلام والخطوب التي تلقاها من حكام الجور، الذين قابلوه بجميع ألوان الإساءة والمكروه.
الزاهر
: لأنه زهر بأخلاقه الشريفة وكرمه المضيء الذي مثل به خلق جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
.
ــــــــــــ
العبد
الصالح
: ولقب بالعبد الصالح لعبادته، واجتهاده في الطاعة، حتى صار مضرب المثل في عبادته على ممرّ العصور والأجيال وقد عرف بهذا اللقب عند رواة الحديث فكان الراوي عنه يقول: حدثني (العبد الصالح).
السيد
: لأنه من سادات المسلمين ، وإمام من أئمتهم، وقد مدحه بهذا اللقب الشاعر الشهير أبو الفتح بقوله:
وإذا كنت للشريف غلاماً
|
|
فأنا الحر والزمان غلامي
|
الوفي
: لأنه أوفى إنسان خلق في عصره، فقد كان وفيّاً بارّاً بإخوانه وشيعته وبارّاً حتى بأعدائه والحاقدين عليه.
الأمين
: وكل ما للفظ الأمانة من معنى قد مثل في شخصيته العظيمة فقد كان أمينا على شؤون الدين وأحكامه، وأميناً على أمور المسلمين وقد حاز هذا اللقب كما حازه جده الرسول الأعظم من قبل، ونال به ثقة الناس جميعاً.
الكاظم
: وإنما لقّب بذلك لما كظمه من الغيظ عما فعل به الظالمون من التنكيل والإرهاق حتى قضى شهيداً مسموماً في ظلمات السجون لم يبد لأحد آلامه وأشجانه بل قابل ذلك بالشكر لله والثناء عليه، ويقول ابن الأثير: (إنه عرف بهذا اللقب لصبره، ودماثة خلقه، ومقابلته الشر بالإحسان)
.
ذو
النفس
الزكية
: وذلك لصفاء ذاته التي لم تتلوّث بمآثم الحياة ولا بأقذار المادة حتى سمت، وانبتلت عن النظير.
باب الحوائج
: وهذا أكثر ألقابه ذكراً، وأشهرها ذيوعاً وانتشاراً، فقد اشتهر بين العام والخاص أنه ما قصده مكروب أو حزين إلا فرّج الله آلامه
ــــــــــــ
وأحزانه وما استجار أحد بضريحه المقدس إلا قضيت حوائجه، ورجع إلى أهله مثلوج القلب مستريح الفكر مما ألم به من طوارق الزمن وفجائع الأيام، وقد آمن بذلك جمهور شيعته بل عموم المسلمين على اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم، فهذا شيخ الحنابلة وعميدهم الروحي أبو علي الخلال يقول: (ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر إلا سهّل الله تعالى لي ما أحب)
.
وقال الشافعى: (قبر موسى الكاظم الترياق المجرَّب)
.
لقد كان الإمام موسى في حياته مفزعاً وملجأ لعموم المسلمين وكذلك كان بعد وفاته حصناً منيعاً لمن استجار به
.