من أهم مقومات نجاح مسيرة الجماعات وجود قيادة تقوم بالإشراف على حركتها التكاملية، وتتبنى التغيير الشامل، وتقوم بتنسيق البرامج والخطط، وتشرف على تنفيذها في الواقع، وتمدّها بالقوة الروحية والشحنة المعنوية للوصول إلى أهدافها وآمالها، والقيادة في منهج أهل البيت عليهم السلام
هي قيادة ربّانية نصّ عليها الله تعالى وأبلغها لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم
وأبلغها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
لأمير المؤمنين عليه السلام
وتتدرج الوصية من إمام إلى إمام حتى تصل إلى خاتم الأوصياء والأئمة عليهم السلام
.
وقد أولى الإمام الباقر عليه السلام
الإمامة من بعده أهمية خاصة ووجّه أنظار أصحابه إليها، في شروطها وخصائصها، وفي تشخيصها في الواقع، فأعلن عنها تارةً إعلاناً جلياً وآخر خفياً، ابتداءً من أول مراحل إمامته، حتى أواخر أيامه الشريفة، وكان يستثمر الفرص المناسبة للإشارة إليها وتأكيد الاقتداء بها.
وكان الإعلان عن إمامة الإمام جعفر الصادق عليه السلام
مصحوباً بالسريّة، وفي نطاق محدود لم يخبر بها إلاّ أصحابه المخلصين المقرّبين له، حفاظاً على سلامة الإمام من بعده.
روي عن محمد بن مسلم أنّه قال: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام
، إذ دخل جعفر ابنه وعلى رأسه ذؤابة، وفي يده عصا يلعب بها، فأخذه وضمّه إليه ضماً، ثم قال:بأبي أنت وأمي لا تلهو ولا تلعب
.
ــــــــــــــ
ثم قال:(يا محمد هذا إمامك بعدي، فاقتد به، واقتبس من علمه، والله انه لهو الصادق الذي وصفه لنا رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
...)
.
وعن همام بن نافع قال: قال أبو جعفر لأصحابه يوماً:(إذا افتقدتموني فاقتدوا بهذا فإنه الإمام بعدي)
، وأشار إلى ابنه جعفر عليه السلام
.
وسئل الإمام الباقر عليه السلام
عن القائم فضرب بيده على أبي عبد الله جعفر ابن محمد عليه السلام
.
وعن فضيل بن يسار، قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام
فأقبل أبو عبد الله عليه السلام
فقال:(هذا خير البريّة بعدي)
.
وعن عبد الغفار بن القاسم ـ في حديث طويل ـ جاء فيه قوله للإمام الباقر عليه السلام
:
(إني قد كبرت سنّي ودق عظمي ولا أرى فيكم ما أسره، أراكم مقتّلين مشردين خائفين، وإني أقمت على قائمكم منذ حين أقول: يخرج اليوم أو غداً.
فقال له ـ الإمام الباقر عليه السلام
ـ:(يا عبد الغفار إن قائمنا
عليه السلام
هو السابع من ولدي، وليس هو أوان ظهوره، ولقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
: إن الأئمة بعدي اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل، تسعة من صلب الحسين، والتاسع قائمهم، يخرج في آخر الزمان فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)
.
قلت: فإن كان هذا كائن يا ابن رسول الله، فإلى من بعدك ؟.
ــــــــــــــ
قال عليه السلام
:إلى جعفر وهو سيد أولادي وأبو الأئمة، صادق في قوله وفعله
.
وعن أبي الصباح الكناني، قال: نظر أبو جعفر إلى أبي عبد الله يمشي، فقال:ترى هذا ؟ هذا من الذين قال الله تعالى:
(
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ
)
.
وعن زرارة قال: إن أبا جعفر عليه السلام
أحضر أبا عبد الله عليه السلام
وهو صحيح لا علّة به، فقال له:إني أريد أن آمرك بأمر
، فقال له:مرني
بما
شئت
، فقال:ايتني بصحيفة ودواة
، فأتاه بها، فكتب له وصيته الظاهرة، ثم أمر أن يدعو له جماعة من قريش، فدعاهم وأشهدهم على وصيته إليه
.
فهذا الإعلان أمر طبيعي لأنه وصية ظاهرة مألوفة عادةً وهي أن يوصي الموصي إلى أحد أبنائه وخصوصاً الأكبر منهم، فعن الإمام الصادق عليه السلام
أنه قال:إنّ أبي استودعني ما هناك، وذلك أنّه لما حضرته الوفاة قال: (ادع لي شهوداً فدعوت له أربعة، منهم: نافع مولى عبد الله بن عمر، فقال: اكتب: هذا ما أوصى به يعقوب بنيه:
(
يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
)
وأوصى محمد بن عليّ ابنه جعفر وأمره أنْ يكفّنه في بردته ـ التي كان فيها يصليّ الجمعة ـ وقميصه وأن يعمّمه بعمامته وان يرفع قبره مقدار أربع أصابع، وأن يحلّ أطماره عند دفنه.
ثم قال للشهود: انصرفوا رحمكم الله.
ــــــــــــــ
فقلت: يا أبت ما كان في هذا حتى يشهد عليه ؟ قال: يا بني كرهت أن تغلب، وأن يقال: لم يوص، فأردت أن يكون ذلك الحجّة)
.
وأدخل الإمام الباقر عليه السلام
الأمل في قلوب أصحابه وأتباعه وجميع أفراد الجماعة الصالحة فأخبرهم بقرب زوال حكم بني أمية
.
وبالفعل بعد استشهاد الإمام عليه السلام
بثمانية عشر عاماً سقطت الدولة الأُموية وانتهى حكم الأمويين على يد بني العباس.
وكان الإمام الصادق عليه السلام
هو القائم بالأمر من بعده، وكما وصفه المستشار عبد الحليم الجندي: الإمام جعفر الصادق نتاج قرن كامل من العظائم يحني لها الوجود البشري هاماته ويدين بحضارته ...
.
وقال أيضاً: شجرة باسقة تترعرع في كل ورقة من أوراقها خصيصة من خصائص أهل البيت في عصر جديد للعلم، تعاونت فيه أجيال ثلاثة متتابعة منه ومن أبيه وجده
.
ــــــــــــــ