الجماعة الصالحة لها كيانها المستقل ومواردها المستقلة التي سبق ذكرها، وإن إنفاق الأموال في مواردها التي وضعها الله تعالى تؤدي إلى التكافل داخل الجماعة الصالحة .
فالزكاة تدفع للفقراء والمساكين والعاملين عليها ، وفي عتق الرقاب المؤمنة ، وللمثقلين بالديون ، وابن السبيل وتدفع للمؤلفة قلوبهم للإسلام ولمذهب أهل البيت عليهم السلام
أو دفع شرّهم ، ولها موارد إنفاق تقع تحت عنوان (في سبيل الله) .
وهي تدفع لهم مباشرة دون إذن الإمام عليه السلام
، كما يفهم من أحاديثه الشريفة
.
وهي في الأصل تدفع إلى من ينتمي إلى الجماعة الصالحة ، فعن ضريس قال : سأل المدائني أبا جعفر عليه السلام
قال : إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا ، ففيمن نضعها ؟ فقال عليه السلام
:في
أهل
ولايتك
فقال :
إني في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك فقال عليه السلام
:(ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم ، ولا تدفعها إلى قوم إن دعوتهم غداً إلى أمرك لم يجيبوك)
.
وقال عليه السلام
:(إنّما موضعها أهل الولاية)
.
ــــــــــــــ
وكان يقدّم المهاجرين وأصحاب العقل والفقه على غيرهم ، فحينما سئل عليه السلام
عن كيفية العطاء فقال عليه السلام
:(أعطهم على الهجرة في الدين والعقل والفقه)
.
أما الرقاب وسهم المؤلفة قلوبهم فلا يشترط فيها الانتماء إلى الجماعة الصالحة كما هو المشهور .
والزكاة الواجبة تختص بالمحتاجين وغير القادرين على العمل ، فلا ينبغي إعطاؤها لغيرهم، قال عليه السلام
:(إن الصدقة لا تحلّ لمحترف ، ولا لذي مرّة سوي قوي ، فتنزهوا عنها)
.
وقد حدّد عليه السلام
أصناف وأوصاف المستحقين فقال :(المحروم : الرجل الذي ليس بعقله بأس ، ولم يبسط له في الرزق وهو محارف)
.(الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل)
.
ويجب إعطاء الزكاة مصحوباً بالتكريم ، فعن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام
: الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة ، فأعطيه من الزكاة ولا أُسمّي له أنّها من الزكاة ؟ فقال عليه السلام
:(أعطه ولا تسمّ له ولا تذل المؤمن)
.
والعطاء ينبغي أن يكون إلى حد الإغناء بحيث لا يبقى محتاجاً،
ــــــــــــــ
قال عليه السلام
:(إذا أعطيته فأغنه)
.
مّا مصرف الخمس فهو عائد للإمام قال عليه السلام
:(والخمس لله وللرسول ولنا
)
.
والخمس ملك للإمام عليه السلام
باعتبار منصبه ، وليست ملكاً شخصياً له ، وقد دلت سيرة الإمام الباقر عليه السلام
وسيرة من سبقه من الأئمة عليهم السلام
على ذلك ، فكانوا يأخذونه وينفقونه لا على أنفسهم ، حيث كان ما ينفق على أنفسهم وعيالهم شيئاً يسيراً ، بالقياس إلى ضخامة الأموال التي تُجبى إليهم ، ومع ذلك كان بعضهم محتاجاً ، لأنّه كان ملكاً للمنصب وليس للشخص .
ومن أجل إحياء روح التكافل الاقتصادي والاجتماعي حثَّ الإمام عليه السلام
على الصدقة وهي الزكاة المستحبة فقال :(إن الصدقة لتدفع سبعين بليّة من بلايا الدنيا مع ميتة السوء)
.
وقال عليه السلام
: (إن صنائع المعروف تدفع مصارع السوء)
.
وحث عليه السلام
على إطعام الطعام وذبح الذبائح وإشباع الفقراء والمحتاجين منها فقال :(إن الله عَزَّ وجَلَّ يحب إطعام الطعام وإراقة الدماء)
.
وحث على الجود والسخاء ، والإنفاق ، والهدية والقرض ، وإنظار المعسر في تسديد دينه ، كما ورد في مختلف كتب الحديث عنه عليه السلام
.
وكان يتصدق في كل جمعة ويقول :(الصدقة يوم الجمعة تُضاعف لفضل
ــــــــــــــ
يوم الجمعة على غيره من الأيام)
.
وكان ينفق الأموال على أصحابه ، فقد أمر غلامه بإعطاء الأسود بن كثير سبعمائة درهم ، وقال له :استنفق هذه فإذا فرغت فأعلمني
.
وعن سلمى مولاته قالت : كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده ، حتى يطعمهم الطعام الطيّب ، ويكسوهم الثياب الحسنة في بعض الأحيان، ويهب لهم الدراهم ، فأقول له في ذلك ليقلّ منه.
فيقول :يا سلمى ما حسنة الدنيا إلاّ صلة الإخوان والمعارف
.
وجعل عليه السلام
الإنفاق مقياساً للإخوة ، حين قال لجماعة من أصحابه : يدخل أحدكم يده في كُمِّ أخيه يأخذ حاجته ؟ فقالوا : لا قال عليه السلام
:ما أنتم بإخوان
.
ونهى عن السؤال ومع ذلك شجّع على عدم رد السائل فقال :(لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحداً ، ولو يعلم المعطي ما في العطيّة ما ردّ أحد أحداً)
.
وجعل التعامل الاقتصادي فيما بين الجماعة الصالحة أو غيرها من الجماعات قائماً على أساس قاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، التي رواها عن جدّه رسول الله
.
ــــــــــــــ