ولمّا لم يستجب أبو طالب لقريش، وأصرّ على حماية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
مهما كان الثمن، كتبت قريش صحيفتها الظالمة
بالمقاطعة الشاملة في البيع والشراء والمخالطة والزواج.
ووُقّعت الصحيفة من قبل أربعين زعيماً من زعماء قريش.
وعمد أبو طالب إلى الشِعب مع ابن أخيه وبني هاشم وبني المطلب حيث كان أمرهم واحداً. وقال: نموت من عند آخرنا قبل أن يوصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
، وخرج أبو لهب إلى قريش فظاهرهم على بني المطلب، ودخل الشعب من كان من هؤلاء مؤمناً كان أو كافرا
.
وكان لا يصل إلى المسلمين خلالها شيء إلاّ سرّاً، يحمله إليهم مستخفياً من أراد مساعدتهم من قريش بدافع من عصبية أو نخوة أو عطف.
وبعد أن مضت على المقاطعة ثلاث سنين وقاسى خلالها المسلمون والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
آلاماً قاسية من الجوع والعزلة والحرب النفسية، أرسل الله دودة الأرضة على صحيفتهم المعلقة في جوف الكعبة فأكلتها جميعاً غير كلمة (باسمك اللهم).
وأنبأ الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم
فأخبر عمه أبا طالب بالأمر فخرج مع النبيّ
صلى الله عليه وآله وسلم
إلى المسجد الحرام فاستقبله وجهاء قريش ظناً منهم بأن الاستسلام يقودهم إلى التخلّي عن موقفهم من الرسالة فقال لهم أبو طالب: إن ابن أخي أخبرني بأن الله قد سلّط على صحيفتكم الأرضة فأكلتها غير اسم الله، فإن كان صادقاً نزعتم عن سوء
ــــــــــــ
رأيكم وإن كان كاذباً دفعته إليكم... قالوا: قد أنصفتنا، ففتحوها، فوجدوا الأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فنكسوا رؤوسهم حياء وخجلاً لما حلّ بهم
.
وروي أيضاً أن بعض رجال قريش وشبابها ساءهم أمر القطيعة ومعاناة بني هاشم من المتاعب والشدائد في الشعب فتعاقدوا فيما بينهم لتمزيق الصحيفة وإنهاء المقاطعة وواجهوا المتعنتين منهم، ففتحوا الصحيفة فوجدوا حشرة الأرضة قد أكلتها
.
ومهما كان فإن قريشاً قد أخزاها الله مرة أخرى ولكنها لم ترتدع عن عداوتها للرسول والرسالة.