تصورت قريش أنها بدهائها تستطيع أن تثني النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
عن رسالته، وقد بان لها استجابة الناس لدعوته المباركة. من هنا اقترح عتبة بن ربيعة ـ حين اجتمعت وجوه قريش ـ أن يذهب إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
ليحدّثه كي يكفّ عن دعوته، فمشى إليه والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
جالس ـ وحده ـ في المسجد، وامتدح النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
ومكانته في قريش وعرض عليه عروضه والنبي صلى الله عليه وآله وسلم
ينصت مستمعاً فقال: يا ابن أخي إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً وإن كنت تريد به شرفاً سوّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَ ئِيّاً تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك طلبنا لك الطبّ وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه... ولما أتم كلامه قال صلى الله عليه وآله وسلم
:أقد فرغت يا أبا الوليد؟
قال: نعم ، قال صلى الله عليه وآله وسلم
:فاسمع مني
ثم تلا قوله تعالى:
(
تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ *وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ
)
واستمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
يقرأ الآيات الكريمة فانبهر عتبة لما سمع وألقى يديه خلف
ــــــــــــ
ظهره معتمداً عليها. ثم سجد رسول الله عند آية السجدة. ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم
:قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك
.
فلم يحر عتبة جواباً وقام إلى قومه فلما جلس إليهم قال: إني قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشّعر وبالسِّحر ولا بالكهانة. يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه).
ولكن أنى للقلوب الميتة أن تستجيب فقالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم
.