لم تكن نهضة الإمام الحسين عليه السلام وثورته حركةً آنيةً أو ردّة فعل مفاجئة; بل كان الحسين عليه السلام في الأمة يمثّل بقية النبوّة وكان وريث الرسالة وحامل راية القيم السامية التي أوجدها الإسلام في الأمة وأرسى قواعدها، كما أنّ العهد قريب برحيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان يكثر الثناء والتوضيح لمقام الإمام الحسين عليه السلام . وفي الوقت نفسه كانت قد ظهرت مقاصد الأمويين الفاسدة تجاه رسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الإسلامية وأمته المؤمنة برسالته.

وقد وقف أهل البيت عليهم السلام بصلابة يدافعون عن الحقّ والعدل وإحياء الرسالة الإسلامية، والمحافظة عليها بكلّ وسيلة ممكنة ومشروعة.

وفي عصر الإمام الحسين عليه السلام كان لتراخي وفتور الأمة عن نصرة الحقّ إلى جانب تسلّط المنافقين ونفوذهم في أجهزة الدولة دور كبير لإيجاد حالة مَرَضيّة يمكن تسميتها بفقدان الإرادة وموت الضمير، ومن ثمّ تباينت المواقف تجاه أسلوب الدفاع عن العقيدة الإسلامية وصيانتها وسيادة الحقّ والعدل.

____________________

(1) الفتنة الكبرى - علي وبنوه، طه حسين: 290، وللمزيد من التفصيل راجع: ثورة الحسين عليه السلام ، ظروفها الاجتماعية وآثارها النفسية: 127.


ولكن لم يشكّ أحد في مشروعية وعدالة موقف الإمام الحسين عليه السلام تجاه الانحراف المستشري في كلّ مفاصل الدولة، وتجاه التغيير الحاصل في بنية الأمة الإسلامية، إلاّ أنّ موقف الاستعداد الكامل للنصرة باتخّاذ قرار ثوريّ يزيح عن الأمة الظلم والفساد لم يكن يتكامل بعد لدى الجميع.

وقد كانت هذه المواقف تتراوح بين التأييد مع إعلان الاستعداد للثورة مهما كانت النتائج، وبين الحذر من الفشل وعدم نجاح الثورة، وبين التثبيط وفتّ العزائم.

وتبنّى شيعة أهل البيت عليهم السلام الذين اكتووا بجحيم البيت الأموي المتحكّم في رقاب المسلمين موقف التأييد وإعلان الاستعداد، وإن غلب الخوف على بعضهم فيما بعد، وأودع البعض الآخر السجن أو حوصر من قبل قوّات السلطة الأُموية.

كما تبنّى آخرون من أقرباء الإمام عليه السلام - مثل عبد الله بن عباس ومحمّد بن الحنفيّة - موقف الحذر، ورجّحوا للإمام الحسين عليه السلام الهجرة إلى اليمن؛ نظراً لبُعد اليمن عن العاصمة، ولتوفّر جمع من شيعته وشيعة أبيه فيها(1) .

وتبنّى آخرون موقف التثبيط وفتّ العزائم والتخويف من مغبّة الثورة على الحاكم، فنصحوا الإمام عليه السلام بالدخول فيما دخل فيه الناس، والصبر على الظلم، كما تمثّل ذلك في نصيحة عبد الله بن عمر للإمام الحسين عليه السلام (2) .

____________________

(1) مقتل الحسين ( الخوارزمي ): 1 / 187 و 216، ومروج الذهب: 3 / 64.

(2) مقتل الحسين ( الخوارزمي ): 1 / 191.