وكان معاوية ينفق أكثر أموال الدولة لتدعيم ملكه، كما كان يهب

____________________

(1) حياة الإمام الحسين عليه السلام : 2/235 عن الإمامة والسياسة: 1 / 284، والدرجات الرفيعة: 334، وراجع الغدير: 10 / 161.


الأموال الطائلة لبني أُمية لتقوية مركزهم السياسي والاجتماعي، وكان الإمام الحسين عليه السلام يشجب هذه السياسة، ويرى ضرورة إنقاذ الأموال من معاوية الذي يفتقد حكمه لأيّ أساس شرعي، ولا يقوم إلاّ على القمع والتزييف والإغراء. وقد اجتازت على يثرب أموال من اليمن مرسولةً إلى خزينة دمشق، فعمد الإمام عليه السلام إلى الاستيلاء عليها ووزّعها على المحتاجين، وكتب إلى معاوية: (من الحسين بن عليّ إلى معاوية بن أبي سفيان، أمّا بعد فإنّ عيراً مرّت بنا من اليمن تحمل مالاً وحُللاً وعنبراً وطيباً إليك لتودعها خزائن دمشق وتعلّ بها بعد النّهْل بني أبيك، وإنّي احتجتها اليها فأخذتها، والسلام)(1).

فأجاب معاوية: من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسين بن عليّ، سلام عليك، أمّا بعد فإنّ كتابك ورد عليّ تذكر أنّ عيراً مرّت بك من اليمن تحمل مالاً وحُللاً وعنبراً وطيباً إليّ لأودعها خزائن دمشق واعُلّ بها بعد النهل بني أبي، وإنّك احتجت اليها فأخذتها، ولم تكن جديراً بأخذها إذ نسبتها إليّ لأنّ الوالي أحقّ بالمال ثم عليه المخرج منه، وأيم الله لو تركت ذلك حتى صار إليّ لم أبخسك حظك منه، ولكنّي قد ظننت يا ابن أخي أنّ في رأسك نزوةً وبودّي أن يكون ذلك في زماني، فأعرف لك قدرك وأتجاوز عن ذلك، ولكنّي والله أتخوّف أن تبتلى بمن لا ينظرك فواق ناقة(2) .

إنّ الإمام الحسين عليه السلام دلّل بعمله على أن ليس من حقّ الخليفة غير الشرعي أن يتصرّف في أموال المسلمين، وأنّ ذلك من حقوق الحاكم الشرعي، والحاكم الشرعي هو الإمام الحسين عليه السلام نفسه الذي ينفق أموال بيت المال

____________________

(1) نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 327، الطبعة الأولى، وناسخ التواريخ: 1 / 195.

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 327، وناسخ التواريخ: 1 / 195.


وفق المعايير الإسلامية. وقد أكّد عليه السلام في رسالته على أنّه لا يعترف رسمياً بخلافة معاوية; إذ لم يصفه بأمير المؤمنين كما كان يصفه الآخرون. ومن هنا حاول معاوية الالتفاف على موقف الإمام عليه السلام فوصف نفسه في رسالته الجوابية بأمير المؤمنين ووالي المسلمين ولكنّه فشل في محاولته تلك، فقد بات موقف الإمام الحسين عليه السلام معياراً إسلامياً وملاكاً فارقاً وفاصلاً بين الصواب والخطأ للمسلمين جميعاً على مدى التأريخ، في حين لم يعر المسلمون لموقف معاوية أيّ اهتمام ولم يعتبروه سوى أنّه تشويه للحقيقة وتضليل للرأي العام.

لقد كان موقف الإمام عليه السلام هذا إشارة واضحة للاعتراض على تصرّفات وحكم معاوية والمطالبة بسيادة الحقّ والعدل الإلهي.