والظاهرة البارزة من صفات يزيد إدمانه على الخمر حتى أسرف في ذلك إلى حد كبير، فلم يُرَ في وقت إلاّ وهو ثمل لا يعي من فرط السكر، ومن شعره في الخمر:
أقول لصحب ضمّت الخمر شملهم |
|
وداعي صبابات الهوى يترنّم |
خذوا بنصيب من نعيم ولذّة |
|
فكلّ وإن طال المدى يتصرّم(3) |
وينقل المؤرّخون عن عبد الله بن حنظلة الذي خرج على يزيد بعد أن اصطحب وفداً من أهل المدينة إلى الشام في أعقاب استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وصفه ليزيد بقوله: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء، إنّه رجل ينكح الاُمهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله بلاءً حسناً(4) .
____________________
(1) حياة الإمام الحسين عليه السلام : 2 / 182، نقلاً عن جواهر المطالب: 143.
(2) أنساب الأشراف: 2 / 2.
(3) حياة الإمام الحسين: 2 / 183، نقلاً عن تأريخ المظفري.
(4) تأريخ ابن عساكر: 7 / 372، وتأريخ الخلفاء للسيوطي: 81.
وقال أعضاء الوفد: قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويلعب بالكلاب(1) .
ونقل عن المنذر بن الزبير قوله في وصفه: والله إنّه ليشرب الخمر، والله إنّه ليسكر حتى يدع الصلاة(2) .
ووصفه أبو عمر بن حفص بقوله: والله رأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة مسكراً...(3)
ويتبدّى الكفر في وصفه للخمر في الأبيات الآتية:
شميسة كرم برجها قعردنِّها |
|
ومشرقها الساقي ومغربها فمي |
اذا اُنزلت من دنِّها في زجاجة |
|
حكت نفراً بين الحطيم وزمزمِ |
فإن حَرُمَتْ يوماً على دين أحمد |
|
فخذها على دين المسيح ابن مريمِ(4) |
وعنه قال المسعودي: وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب، وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد قتل الحسين، فأقبل على ساقيه فقال:
إسقني شربةً تُروّي مُشاشي |
|
ثم مِلْ فاسقِ مثلها ابن زيادِ |
صاحب السرّ والأمانة عندي |
|
ولتسديد مغنمي وجهادي |
ثم أمر المغنّين فغنّوا، وغلب على أصحاب يزيد وعمّاله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي وأظهر الناس شرب الشراب(5) .
____________________
(1) تأريخ ابن عساكر: 7 / 372، وتأريخ الخلفاء للسيوطي: 81.
(2) البداية والنهاية: 8 / 216، الكامل لابن الأثير: 4 / 45.
(3) المصدر السابق.
(4) تتمة المنتهى: 43.
(5) مروج الذهب: 2 / 94.
ويؤكّد في مكان آخر: وكان يسمّى يزيد السكران الخمّير(1) .
وكان ليزيد جماعة من الندماء الخليعين والماجنين يقضي معهم لياليه الحمراء بين الشراب والغناء (وفي طليعة ندمائه الأخطل الشاعر المسيحي الخليع، فكانا يشربان ويسمعان الغناء، وإذا أراد السفر صحبه معه، ولمّا هلك يزيد وآل أمر الخلافة إلى عبد الملك بن مروان قرّبه، فكان يدخل عليه بغير استئذان، وعليه جبّة خزّ، وفي عنقه سلسلة ذهب، والخمر يقطرمن لحيته)(2) .
إن مطالعة الحياة الماجنة ليزيد في حياة أبيه تكفي لفهم دليل امتناع عامة الصحابة والتابعين من الرضوخ لبيعة يزيد بالخلافة.
إنّ نوايا يزيد ونزعاته المنحرفة قد تجلّت بشكل واضح خلال فترة حكمه القصيرة، حتى أنّه لم يبال بإظهار ما كان يضمره من حقد للرسولصلىاللهعليهوآله وما كان ينطوي عليه من إلحاد برسالتهصلىاللهعليهوآله بعد أن دنّس يديه بقتل سبط الرسول وريحانته أبي عبد الله الحسين عليه السلام وهو متسلّط - بالقهر - على رقاب المسلمين باسم الرسول الأعظمصلىاللهعليهوآله .