دخل جنادة بن أبي أُميّة ـ الصحابيّ الجليل ـ على الإمام عائداً له ، فالتفت إلى الإمام قائلاً : عظني يا بن رسول الله .
فأجاب عليه السلام
طلبته وهو في أشدّ الأحوال حراجةً ، وأقساها ألماً ومحنةً ، فأتحفه بهذه الكلمات الذهبية التي هي أغلى وأثمن من الجوهر وقد كشفت عن أسرار إمامته ، قائلاً :
" يا جنادة! استعد لسفرك ، وحصّل زادك قبل حلول أجلك ، واعلم أنّك تطلب الدنيا والموت يطلبك ، ولا تحمل همَّ يومك الذي لم يأت على يومك الّذي أنت فيه ، واعلم أنّك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلاّ كنت فيه خازناً لغيرك ، واعلم أنّ الدنيا في حلالها حساب ، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب ، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة ، خذ منها ما يكفيك ، فإن كان حلالاً كنت قد زهدت فيه ، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر فأخذت منه كما أخذت من الميتة ، وإن كان العقاب فالعقاب يسير ، واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً ، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عَزَّ وجَلَّ ، وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك ، وإذا أخذت منه صانك ، وإذا أردت منه معونة أعانك وإن قُلتَ صَدَّق قولك ، وإن صُلتَ شَدَّ صولَتَك ، وإن مددت يدك بفضل مدّها ، وإن بدت منك ثلمة سدّها ، وإن رأى منك حسنة عدّها، وإن سألت أعطاك ، وإن سكت عنه إبتدأك ، وإن نزلت بك إحدى الملمّات واساك من لا تأتيك منه البوائق ، ولا تختلف عليك منه الطرائق ،
ولا يخذلك عند الحقائق ، وإن تنازعتما منقسماً آثرك "
.
ويشتدّ الوجع بالإمام عليه السلام
ويسعر عليه الألم فيجزع ، فيلتفت إليه بعض عوّاده قائلاً له: يا بن رسول الله ، لِمَ هذا الجزع ؟ أليس الجدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
والأب علي والأم فاطمة ، وأنت سيّد شباب أهل الجنة ؟! .
فأجابه بصوت خافت: "أبكي لخصلتين : هول المطلع ، وفراق الأحبّة"
.