ما إن استنفذت الديانة النصرانية أغراضها في المجتمع البشري ولم تعد لها فاعلية تذكر حتى حلّت في الدنيا كلّ مظاهر التيه والزّيغ، وأمسى الناس كافة ضُلاّل فتن وحيرة، استخفّتهم الجاهلية الجهلاء، ولم تكن أوضاع الروم بأقل سوءاً من أوضاع منافسيهم في فارس، وما كانت جزيرة العرب أفضل وضعاً من الاثنين. والكل على شفا حفرة من النّار.
وقد وصف القرآن بصورة بليغة جانباً مأساوياً من حياة البشر آنذاك، كما وصف سيد أهل بيت النبوة علي بن أبي طالب عليه السلام
ذلك الوضع المأساوي وصفاً دقيقاً عن حس ومعايشة في عدّة خطب، منها قوله في وصف حال المجتمع الذي بُعث فيه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
:
(أرسله على حين فترة من الرسل وطول هجعة من الأُمم واعتزام من الفتن، وانتشار من الأُمور وتلظّ من الحروب والدنيا كاسفة النور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، وإياس من ثمرها، واغورار من مائها ، قد درست منار الهدى ، وظهرت أعلام الردى، فهي متجهمة لأهلها ، عابسة في وجه طالبها، ثمرها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارها
الخوف، ودثارها السيف)
.
في مثل هذا الظرف العصيب الذي كانت تمر به البشرية سطع النور الإلهي فأضاء العباد والبلاد مبشراً بالحياة الكريمة والسعادة الأبدية. وذلك عندما بوركت أرض الحجاز بمولد النبيّ الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم
في عام الفيل سنة (٥٧٠ ميلادية) وفي شهر ربيع الأول على ما هو عليه أكثر المحدثين والمؤرخين.
وأما عن يوم ميلاده صلى الله عليه وآله وسلم
، فقد حدّده أهل بيته عليهم السلام
ـ وهم أدرى بما في البيت ـ فقالوا:هو يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأول بعد طلوع الفجر
، كما هو المشهور بين الإمامية، وعند غيرهم أنّه صلى الله عليه وآله وسلم
ولد في يوم الاثنين الثاني عشر من الشهر نفسه
.
وتتحدث جملة من المصادر التأريخية والحديثية عن وقوع حوادث عجيبة يوم ولادته مثل: انطفاء نار فارس، وزلزال أصاب الناس حتّى تهدّمت الكنائس والبيَع وزال كلّ شيء يُعبد من دون الله عزّ وجل عن موضعه، وتساقط الأصنام المنصوبة في الكعبة على وجوهها حتّى عُمّيت على السحرة والكهّان أُمورهم، وطلوع نجوم لم تُر من قبل هذا وقد ولد صلى الله عليه وآله وسلم
وهو يقول: (الله أكبر، والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً)
.
واشتهر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
بـ: اسمين: (محمّد) و(أحمد) وقد ذكرهما القرآن الكريم، وروى المؤرخون أنّ جدّه عبد المطلب قد سمّاه (محمداً)، وأجاب من سأله عن سبب التسمية قائلاً: أردت أن يحمد في السماء والأرض
كما أن أُمه
آمنة سمّته قبل جده بـ : (أحمد).
وقد بشّر به الإنجيل على لسان عيسى عليه السلام
ـ كما أخبر القرآن الكريم بذلك وصدّقه علماء أهل الكتاب ـ وقد حكاه قوله تعالى:(
وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ
)
ولا مانع من أن يعرف الشخص باسمين ولقبين وكنيتين في عرف الجزيرة العربية وغيرها.