اضطرب المجلس وتفرّق الناس وارتفع
اضطرب المجلس وتفرّق الناس وارتفعت الضجّة وأصبحت خطبة
الزهراء (عليها السلام) حديث الناس فلجأ أبو بكر إلى التهديد والوعيد .
وروي أنّ أبا بكر لمّا شاهد أثر خطاب الزهراء على الناس قال لعمر : تربت يداك ما
كان عليك لو تركتني ، فربّما مات الخرق ورتقت الفتق ، ألم يكن ذلك بنا أحقّ؟ فقال
الرجل : قد كان في ذلك تضعيف سلطانك وتوهين كافّتك وما أشفقت إلاّ عليك. قال :
ويلك! فكيف بابنة محمّد ، وقد علم الناس ما تدعو اليه وما نحن من الغدر عليه؟ فقال:
هل هي إلاّ غمرة انجلت وساعة انقضت؟ وكأنَّ ما قد كان لم يكن. فضرب بيده على كتف
عمر وقال : ربّ كربة فرَّجتها يا عمر ، ثم نادى الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فصعد
المنبر وقال :
أيّها الناس ، ما هذه الرعة إلى كلّ قالة ؟ أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله
؟ ألا من سمع فليقل ومن شهد فليتكلّم، إنّما هو ثعالة شهيده ذَنَبه، مربّ لكل فتنة
هو الذي يقول : كرّوها جذعة بعد ما هرمت يستعينون بالضعفة ويستنصرون بالنساء ، كاُم
طحال أحب أهلها اليها البغي، ألا إنّي لو أشاء لقلت ، ولو قلت لبُحت ، وإنّي ساكت
ما تُركت .
ثم التفت إلى الأنصار فقال : يا معشر الأنصار قد بلغني مقالة سفهائكم وأحقّ من لزم
عهد رسول الله أنتم ، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ، ألا إنّي لست باسطاً يداً ولساناً
على من لم يستحقّ منّا ذلك ، ثم نزل[1] .
قال ابن أبي الحديد : قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن أبي يحيى بن أبي
زيد البصري وقلت له : بمن يعترض ؟ فقال : بل يصرّح، قلت : لو صرّح لم أسألك، فضحك
وقال : لعليّ بن أبي طالب، قلت : فما مقالة الأنصار ؟ قال : هتفوا بقول عليّ ، فخاف
من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم[2] .
دفاع اُم سلمة عن حقّ الزهراء (عليها السلام) :
بعد خطبة الزهراء (عليها السلام) في المسجد وكلام أبي بكر قالت اُمّ سلمة (رض) حين
ما سمعت ما جرى لفاطمة (عليها السلام) : أَلِمثلِ فاطمة بنت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يقال هذا القول ؟ هي والله الحوراء بين الإنس ، والنَفس للنفس ، رُبّيت
في حجور الأتقياء ، وتناولتها أيدي الملائكة ، ونمت في حجور الطاهرات ، ونشأت خيرة
نشأة ، وربيت خير مربى ، أتزعمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرّم عليها
ميراثه ولم يُعلمها ؟ وقد قال الله تعالى : (وأنذر عشيرتك الأقربين ) أفأنذرها
وخالفت مطلبه ؟ وهي خيرة النسوان واُم سادة الشبان ، وعديلة مريم ، تمّت بأبيها
رسالات ربّه ، فوالله لقد كان يشفق عليها من الحرّ والقرّ ، ويوسدها يمينه ويلحفها
بشماله ، رويداً ورسول الله (صلى الله عليه وآله) بمرآى منكم ، وعلى الله تردون
واهاً لكم ، فسوف تعلمون.
قيل : فحرمت من عطاءها تلك السنة[3] .