لقد أحسّت سيّدة النساء بالغبطة و

لقد أحسّت سيّدة النساء بالغبطة والسعادة وقد رأت القسم الأكبر من الجزيرة يخضع لسلطان الإسلام ويدين برسالة أبيها، وها هي قريش مع عتوّها وكبريائها ترسل أحد زعمائها إلى يثرب عاصمة الإسلام لتفاوض النبيّ (صلى الله عليه وآله) على تمديد أمد الهدنة التي تمّ الاتفاق عليها في الحديبية، حينما ذهب النبيّ معتمراً في العام السادس للهجرة .



لقد أرسلت قريش زعيمها أبا سفيان بعد أن أخلّت بالشروط التي تمّ الاتفاق عليها ليعرض على النبيّ طلب قريش فلم يجد تجاوباً من النبيّ، فاستجار بجماعة من المسلمين فلم يجره أحد حتى ابنته رملة زوجة النبىّ(صلى الله عليه وآله)، فدخل على عليّ والزهراء (عليهما السلام) يطلب منهما الشفاعة له عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأبى كلّ من عليّ والزهراء والحسنين (عليهم السلام) أن يجيروه، ولمّا يئس من أن يجيره مسلم من المسلمين رجع آيساً خائفاً منكسراً يتعثّر بالفشل والخذلان .



وأيقنت الزهراء من موقف أبيها من أبي سفيان أنّه سيفتتح مكة ، ودنت الأيام فخرج الرسول في عشرة آلاف من المسلمين ولواؤه مع ابن عمّه ووصيّه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وخرجت معه الزهراء فيمن خرج معه من النساء، لقد ظلّت الزهراء إلى جانب أبيها مزهوّة بنصر الله وقد رأت الأصنام تحت أقدام أبيها، ورأت قريشاً تلوذ به وتقول : أخ كريم وابن أخ كريم ، وأبوها يقول لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء .



لقد كانت الأيام التي قضتها الزهراء مع أبيها في مكة حافلة بالذكريات، حيث تذكّرت فيها أيام أبيها يوم كان المشركون يطاردونه وأصحابه ويحاصرونه في الشعب، كما وتذكّرت أيام اُمها خديجة وعمّ أبيها أبي طالب.



لقد رأت في تلك الرحلة المظفرة هوازن وثقيفاً وأحلافهما من العرب الذين ظلّوا حتى ذلك التاريخ على موقفهم المتصلّب من الإسلام، رأتهم ينهارون وتندك حصونهم ومعاقلهم وتقع أموالهم وصبيانهم ونساؤهم في معركة حنين غنيمة للمسلمين .



وعادت مع أبيها وزوجها إلى مدينة الأنصار تاركةً مكة مرتع الصبا وموطن الأهل والأحباب ، وامتدّت حياتها عامين بعد هذه الرحلة وكانا من أسعد أيّام حياتها حيث الإسلام قد انتشر في جميع أنحاء الجزيرة، وأصبح الأول من بين الأديان[14] .