فلمّا انصرفت الشمس للغروب قال رس
فلمّا انصرفت الشمس للغروب قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) : «يا اُمّ سلمة هلمّي فاطمة»، فانطلقت فأتت بها تسحب أذيالها وقد تصببت
عرقاً حياءً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعثرت ، فقال رسول الله (صلى الله
عليه وآله) : «أقالك الله العثرة في الدنيا والآخرة»، فلمّا وقفت بين يديه كشف
الرداء عن وجهها حتى رآها عليٌّ (عليه السلام) .
وأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بنات عبد المطّلب ونساء المهاجرين والأنصار أن
يمضين في صحبة فاطمة، وأن يفرحن ويرجزن ويكبِّرن ويحمدن ، ولا يقلن ما لا يرضي
الله، قال جابر : فأركبها على ناقته أو على بغلته الشهباء، وأخذ سلمان زمامها ،
وحولها سبعون ألف حوراء ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله) وحمزة وعقيل وجعفر وبنو
هاشم يمشون خلفها مشهرين سيوفهم، ونساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) قدّامها يرجزن .
وكانت النّسوة يرجّعن أول بيت من كلّ رجز ثم يكبِّرن، ودخلن الدار، ثم أنفذ رسول
الله (صلى الله عليه وآله) إلى عليّ ودعاه ، ثم دعا فاطمة فأخذ بيدها ووضعها في يد
عليّ، وقال : « بارك الله في ابنة رسول الله ، يا علي نِعم الزوج فاطمة، ويا فاطمة
نِعم البعل عليّ » .
ثم قال : «يا عليّ هذه فاطمة وديعة الله ووديعة رسوله عندك، فاحفظ الله واحفظني في
وديعتي»[7] .
ثم دعا وقال : « اللهمّ اجمع شملهما ، وألِّف بين قلبيهما ، واجعلهما وذرّيتهما من
ورثة جنّة النعيم، وارزقهما ذرّية طاهرة طيبة مباركة ، واجعل في ذرّيتهما البركة ،
واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك ويأمرون بما رضيت » ثم قال : «إنطلقا إلى
منزلكما ولا تُحدِثا أمراً حتى آتيكما».
قال عليّ (عليه السلام) : « فأخذت بيد فاطمة وانطلقت بها حتى جلست في جانب الصفة
وجلست في جانبها وهي مطرقة إلى الأرض حياءً منّي وأنا مطرق إلى الأرض حياءً منها »
.
فما كان إلاّ أن دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبيده مصباح ، فوضعه في ناحية
المنزل، وقال لي : «يا عليّ خذ في ذلك القعب ماءً من تلك الشكوة ، ففعلت ثم أتيته
به فتفل فيه تفلات ، ثم ناولني القعب وقال : اشرب منه ، فشربت ثم رددته إلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فناوله فاطمة وقال : اشربي حبيبتي فشربت منه ثلاث جرعات
ثم ردّته إليه، فأخذ ما بقي من الماء فنضحه على صدري وصدرها وقال: إنّما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ، ثم رفع يديه وقال : يا ربّ إنّك لم
تبعث نبيّاً إلاّ وقد جعلت له عترة ، اللهمّ فاجعل عترتي الهادية من عليّ وفاطمة ،
ثم خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب وقال : طهّركما الله وطهّر نسلكما، أنا سلم
لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم ، أستودعكما الله وأستخلفه عليكما » وأغلق الباب وأمر
النساء فخرجن .
فلمّا أراد الخروج رأى امرأة فقال: من أنتِ؟، قالت : أسماء ، فقال : «ألم آمركِ أن
تخرجي؟» قالت أسماء : بلى يا رسول الله ـ فداك أبي واُمي ـ وما قصدت خلافك ، ولكنّي
أعطيت خديجة عهداً، حينما حضرت خديجة الوفاة بكت، فقلت: أتبكين وأنت سيدة نساء
العالمين ؟ وأنتِ زوجة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومبشّرة على لسانه بالجنة ؟
فقالت : ما لهذا بكيت، ولكن المرأة ليلة زفافها لا بدّ لها من امرأة تفضي اليها
بسرّها ، وتستعين بها على حوائجها ، وفاطمة حديثة عهد بصبا ، وأخاف أن لا يكون لها
من يتولّى أمرها حينئذ .
فقلت : يا سيدتي لك عليَّ عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامَكِ في هذا
الأمر ، فبكى رسول الله وقال : «بالله لهذا وقفتِ ؟». فقلت : نعم والله ، فدعا
لي[8].