وتمرّ سنون الحصار صعبة ثقيلة

وتمرّ سنون الحصار صعبة ثقيلة، ويخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن معه من الحصار والمقاطعة ، وقد كتب الله تعالى لهم النصر والغلبة ، وتخرج خديجة وقد أثقلتها السنون وأرهقها عناء الحصار والحرمان ، وها هي قد قضت بالجدّ والصبر عمرها الجهادي المشرق وحياتها المثالية الفريدة في دنيا المرأة ، لقد قرب أجل خديجة وشاء الله تعالى أن يختارها لجواره ، فتتوفى في ذلك العام الذي خرج فيه بنو هاشم من الحصار وكان العام العاشر من البعثة .



وتوفّي في العام ذاته أبو طالب عمّ الرسول (صلى الله عليه وآله) وحامي الدعوة الإسلامية وناصر الإسلام، ولقد شعر رسول الله بالحزن والأسى ، وأحسّ بالفراق والوحشة ، إنّه فقد الحبيب والعون والمواسي ، فقد خديجة زوجته وحبيبته وعونه، وفقد عمّه الحامي والمدافع عنه ، فسمّى ذلك العام بــ ( عام الحزن ) .



وليس رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحده هو الذي رزئ في ذلك العام، بل وفاطمة الصبية الصغيرة التي لم تشبع من حنان الاُمومة وعطف الوالدة بعد ، فقد شاطرته المأساة ورزئت هي الاُخرى ، فشملتها المحنة في ذلك العام الحزين، وشعرت بغمامة الحزن واليتم تخيّم على حياتها الطاهرة .



ويحسّ الأب الرسول (صلى الله عليه وآله) بوطأة الحزن على نفس فاطمة (عليها السلام) ويرى دموع الفراق تتسابق على خديها، فيرقّ القلب الرحيم ، وتفيض مشاعر الود والاُبوة الصادقة ، فيحنو رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فاطمة ، يعوضها من حبّه وحنانه ما فقدته في اُمهّا من حبّ ورعاية وحنان .



لقد أحبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة وأحبته وحنا عليها وحنت عليه ، فلم يكن أحد أحبّ إلى قلبه ولا إنسان أقرب إلى نفسه من فاطمة ، لقد أحبها وكان يؤكّد ـ كلّما وجد ذلك ضرورياً ـ هذه العلاقة بفاطمة ، ويوضّح مقامها ومكانتها في اُمّته ، وهو يُمهّد لأمر عظيم وقدر خطير يرتبط بفاطمة ، وبالذريّة الطاهرة التي أعقبتها فاطمة وبالاُمة الإسلامية كلّها ، كان يؤكّد ذلك ليعرف المسلمون مقام فاطمة ومكانة الأئمة من ذريّتها ليعطوا فاطمة حقّها ، ويحفظوا لها مكانتها ، ويراعوا الذرّية الطاهرة حقّ رعايتها ، فها هو رسول الله(صلى الله عليه وآله) يعرّف فاطمة ويؤكد للمسلمين : «فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني»[3] .



وتكبر فاطمة (عليها السلام) وتشبّ ويشبّ معها حبّ أبيها لها، ويزدادحنانه عليها، وتبادله هي هذا الحب وتملأ قلبه بالعطف والرعاية فيسميها «أُمّ أبيها » .



إنّه النموذج القدوة من العلاقة الأبوية الطاهرة التي تساهم في بناء شخصيّة الأبناء وتوجّه سلوكهم وحياتهم ، لقد كانت هذه العلاقة هي المثل الأعلى في رعاية الإسلام للفتاة والعناية بها وتحديد مكانتها.