لمّا رأت قريش أنّ أصحاب الرسول
لمّا رأت قريش أنّ أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله)
قاوموهم وتحمّلوا أذاهم ، وأنّ الاسلام أخذ يعلو شأنه وينتشر في القبائل ، وعجزوا
عن صدّه; ائتمروا بينهم على قتل الرسول (صلى الله عليه وآله) ، فلمّا أحسّ أبو طالب
بذلك انحاز إلى شعبه ، واجتمع اليه بنو هاشم وبنو عبد المطلب ليحموا الرسول (صلى
الله عليه وآله) وكان حمزة عمّ النبي (صلى الله عليه وآله) يحرسه حتى الصباح ،
فحاصرتهم قريش حصاراً اقتصادياً شديداً ، وكتبوا بينهم كتاباً يتعاقدون فيه على أن
لا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم شيئاً ، فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثاً حتى جهدوا ،
لا يصل إلى أحدهم شيء إلاّ سرّاً ، والجوع يشتد ببني هاشم ويتعالى صراخ الأطفال
الجياع أحياناً.
في هذا الظرف العصيب والقاسي قضت الزهراء (عليها السلام) شطراً من أيام الرضاعة في
شعب أبي طالب ، ثم فطمت من اللبن، وهناك درجت تمشي على رمضاء الشعب ، وتعلّمت النطق
وهي تسمع أنين الجياع وصراخ الأطفال المحرومين، وبدأت تأكل في زمن الحرمان والفاقة،
وإذا ما استيقظت في هدأة الليل وجدت الحرس يدورون ـ بحذر وترقّب ـ حول أبيها يخافون
عليه من غدر الأعداء في حلكة الليل، ثلاث سنين تقريباً والزهراء (عليها السلام) في
هذا السجن لا يربطها بالعالم الخارجي أيّ شيء حتى أدركت سن الخامسة .