خطب أشراف قريش السيّدة خديجة وقد
خطب أشراف قريش السيّدة خديجة وقدّموا لها العروض المغرية
فلم تستجب لأحد منهم[5] ، وظلّت تعيش بعيدةً عن الرجال ومشاكلهم طيبة النفس مرتاحة
الضمير، لأنّ أكثر الخاطبين كانوا يضعون في حساباتهم ثروتها الواسعة حتى بلغت
الأربعين من عمرها .
كانت في يدي السيّدة خديجة أموالٌ طائلة، ولكنّها لم تترك هذه الأموال راكدةً ولم
ترابِ بها في زمان كان الربا رائجاً ، وإنّما استثمرت هذه الأموال في التجارة
واستخدمت رجالاً صالحين لهذا الغرض ، واستطاعت أن تكسب عن طريق التجارة ثروة ضخمة .
ويروي المحدّثون أنّ السيّدة خديجة كانت ترسل في تجارتها إلى الشام جماعة بأجر معين
، وقبيل زواجها بالنبيّ أرسلت اليه ليذهب في تجارتها وبذلت له ضعفي ما كانت تبذله
لغيره لأنّه كان حديث الناس رجالاً ونساءً في أمانته وصدقه واستقامته ، فوافق على
طلبها بعد أن استشار عمّه أبا طالب ، وأرسلت معه غلامها ميسرة لخدمة القافلة
ورعايتها ، وكانت الرحلة ناجحة وموفّقة بشكل لم تُوفّق له رحلة قبلها ، وأسرع ميسرة
قبل دخول القافلة مشارف مكة ليخبر خديجة بما جرى وما حدث لمحمد (صلى الله عليه
وآله) في طريقه مع بحيرا الراهب وغيره .
ومن نبوغ وحدّة ذكاء السيدة خديجة ونظرتها البعيدة أنّها أدركت عظمة شخصية الرسول
الأكرم (صلى الله عليه وآله) وسموّ أخلاقه قبل تكليفه برسالة السماء، فاختارته
زوجاً لها من دون الرجال والشخصيات المرموقة الذين تقدّموا لخطبتها، بل إنّها هي
التي تقدّمت وعرضت نفسها ورغبت في الاقتران به ، على رغم البون الشاسع بين حياتها
المادية وحياته البسيطة .
وجاء في تاريخ اليعقوبي عن عمار بن ياسر أنّه قال : أنا أعلم الناس بزواج خديجة بنت
خويلد من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، لقد كنت صديقاً له وإنّا لنمشي يوماً بين
الصفا والمروة وإذا بخديجة واُختها هالة معها، فلمّا رأت رسول الله (صلى الله عليه
وآله) جاءتني اُختها هالة وقالت : يا عمار! ما لصاحبك رغبة في خديجة ؟ فقلت لها :
والله لا أدري ، فرجعتُ اليه وذكرت ذلك له ، فقال لي : إرجع فواضعها وعدها يوماً
نأتيها فيه ، فلمّا كان ذلك اليوم أرسلت إلى عمّها عمرو بن أسد ودهنت لحيته وألقت
عليه حبراً ، ثم حضر رسول الله(صلى الله عليه وآله) في نفر من أعمامه يتقدّمهم أبو
طالب، فخطب في الحاضرين، وتمّ الزواج بينهما .
وأضاف عمّار : أنّها لم تستأجره في تجارتها ولم يكن أجيراً لأحد أبداً[6] .