لما عزم الإمام علي عليه السلام
على الخروج من بيته ـ قبل أن تشرق أنوار الفجر ـ إلى مناجاة الله وعبادته في مسجد الكوفة صاحت في وجهه إوز كانت قد أُهدِيَتْ إلى الحسن، فتنبّأ عليه السلام
من صياحهنّ وقوع الحادث العظيم والرزء القاصم، قائلاً :"لا حول ولا قوّة إلا بالله، صوائح تتبعها نوائح"
.
وأقبل الإمام على فتح الباب فعسر عليه فتحها وكانت من جذوع النخل فاقتلعها فانحلّ إزاره فشدّه وهو يقول :
أُشدد حيازيمك للموت
|
|
فإن الموت لاقيكا
|
ولا تجزع من الموت
|
|
إذا حلّ بواديكا
|
واضطرب الإمام الحسن عليه السلام
من خروج أبيه في هذا الوقت الباكر فقال له:"ما أخرجك في هذا الوقت؟"
.
فأجابه عليه السلام
:"رؤيا رأيتها في هذه الليلة أهالتني"
.
فقال له الإمام الحسن عليه السلام
:"خيراً رأيت، وخيراً يكون، قصّها عليّ"
.
فأجابه الإمام علي عليه السلام
:"رأيت جبرئيل قد نزل من السماء على جبل أبي قبيس، فتناول منه حجرين، ومضى بهما إلى الكعبة، فضرب أحدهما بالآخر فصارا كالرميم، فما بقي بمكة ولا بالمدينة بيت إلا ودخله من ذلك الرماد شيء"
.
فسأله عليه السلام
:"ما تأويل هذه الرؤيا؟
".
فقال عليه السلام
:"إن صدقت رؤياي، فإن أباك مقتول، ولا يبقى بمكة ولا بالمدينة إلاّ دخله الهمّ والحزن من أجلي"
.
فالتاع الحسن وذهل وانبرى قائلاً بصوت خافت حزين النبرات :"متى يكون ذلك؟"
.
قال الإمام عليه السلام
:"إن الله تعالى يقول:
(
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ
)
ولكن عهدهُ إليّ حبيبي رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
أنه يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان، يقتلني عبد الرحمن بن ملجم"
.
فقال الإمام الحسن عليه السلام
:"إذا علمت ذلك فاقتله"
.
فقال الإمام علي عليه السلام
:"لا يجوز القصاص قبل الجناية والجناية لم تحصل منه"
.
وأقسم الإمام على ولده الحسن أن يرجع إلى فراشه، فلم يجد الحسن بدّاً من الامتثال
.