هنالك مجموعة من الغايات التربوية والسياسية التي كانت تكمن وراء إشراك النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أهل بيته في المباهلة، منها :

أ ـ إنّ إخراج العنصر النسوي ممثّلاً بفاطمة الزهراء ـ صلوات الله وسلامه عليها ـ والتي تعتبر الأنموذج الأسمى للمرأة المسلمة في أمر ديني ومصيري كهذا كان من أجل محو ذلك المفهوم الجاهلي البغيض، الذي كان لا يرى للمرأة أيّةَ قيمة أو شأن يذكر، بل كانوا يرون فيها مصدر شقاء وبلاء ومجلبة للعار ومظنّة للخيانة(١) ، فلم يكن يتصوّر أحد منهم أن يرى المرأة تشارك في مسألة حساسة وفاصلة، بل ومقدّسة كهذه المسألة، فضلاً عن أن تعتبر شريكة في الدعوى، وفي الدعوة لإثباتها .

ب ـ إنّ إخراج الحسنين عليهما‌ السلام إلى المباهلة بعنوان أنهما أبناء الرسول الأكرم محمد صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم مع أنّهما ابنا ابنته الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام له دلالة هامة ومغزىً عميق، حيث إنّه "في الآية دلالة على أنّ الحسن والحسين ـ وهما ابنا البنت ـ يصح أن يقال : إنّهما ابنا رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم لأنّه وعد أن يدعو أبناءه، ثم جاء بهما"(٢) ، وبالإضافة إلى ما أشير إليه آنفاً كان يهدف إلى إزالة المفهوم الجاهلي القائل بأنّ أبناء الأبناء هم الأبناء في الحقيقة دون أبناء البنات.

__________

(١) راجع : الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ١ / ٤٥ ـ ٤٧ .

(٢) تفسير الرازي : ٨ / ٨١، وفتح القدير : ١ / ٣٤٧، وتفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري : ٣ / ٢١٤، والتبيان : ٢ / ٤٨٥ عن أبي بكر الرازي (وهو غير الفخر الرازي)، ومجمع البيان : ٢ / ٤٥٢، والغدير : ٧ / ١٢٢ عنه وعن تفسير القرطبي : ٤ / ١٠٤ .


ومع كلّ ما قام به النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم في يوم المباهلة لتصحيح هذا المفهوم الجاهلي تجد البعض يبقى متمسّكاً به، وقد ظهر هذا التمسّك في بعض الآراء الفقهية حول تفسير قوله تعالى :( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) حيث اعتبر الإرث مختصّاً بعقب الأبناء دون من عقبته البنات(١) .

وبالرغم من كون المنهج المناوئ لأهل البيت قد حظي بكثير من الدعم من قبل الحكام مجنِّدين كلّ الطاقات من أجل تأكيده وتثبيته، إلاّ أنّه كانت ثمة عقبة كَؤُود تواجههم وتعترض سبيل نجاحهم في تشويه الحقيقة وتزوير التأريخ، وهي وجود أهل البيت عليهم السلام الذين يملكون أقوى الحجج وأعظم الدلائل والشواهد من القرآن ومن الحديث المتواتر ومن المواقف النبويّة المتضافرة التي عرفها ورآها وسمعها عدد هائل من صحابة الرسول الأعظم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ثم انتقلت منهم إلى الأُمة الإسلامية .

ولا بأس أن نذكر شيئاً من محاولات نفي بنوّة الحسنين عليهما‌ السلام له صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم :

١ ـ قال ذكوان مولى معاوية : قال معاوية : لا أعلمنّ أحداً سمّى هذين الغلامين ابني رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ، ولكن قولوا : ابني علي عليه السلام ، قال ذكوان : فلمّا كان بعد ذلك أمرني أن أكتب بنيه في الشرف، قال : فكتبت بنيه وبني بنيه وتركت بني بناته، ثم أتيته بالكتاب فنظر فيه، فقال: ويحك، لقد أغفلت كُبْر بنيّ! فقلت : من؟ فقال : أما بنو فلانة ـ لابنته ـ بَنيَّ؟ قال : قلت : الله!! أيكون بنو بناتك بنيك، ولا يكون بنو فاطمة بني رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ؟! قال : ما لك؟ قاتلك الله! لا يسمعنّ هذا أحد منك(٢) .

__________

(١) راجع : الحياة السياسية للإمام الحسن : ٢٧ ـ ٢٨ .

(٢) كشف الغمة للإربلي : ٢ / ١٧٣، ط دار الأضواء .


٢ ـ قال الإمام الحسن عليه السلام محتجّاً على معاوية : "... فأخرج رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم من الأنفس معه أبي، ومن البنين أنا وأخي، ومن النساء فاطمة أمي من الناس جميعاً، فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه، ونحن منه وهو منّا" (١) .

٣ ـ وقال الرازي في تفسير قوله تعالى :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ ) إلى قوله :( ... وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ) بعد أن ذكر دلالة الآية على بنوّة الحسنين للنبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قال : "ويقال : إنّ أبا جعفر الباقر استدلّ بهذه الآية عند الحجّاج بن يوسف"(٢) .

٤ ـ وأرسل عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين عليه السلام يعيبه بأشياء منها : أنّه يسمّي حسناً وحسيناً وَلَدَي رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم فقال لرسوله :"قل للشانئ ابن الشانئ : لو لم يكونا ولديه لكان أبتر، كما زعم أبوك" (٣) .

لقد صدع الإمام الحسن عليه السلام في أكثر من مناسبة وأكثر من موقف، ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوّته لرسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم فقط، وإنّما كان يؤكّد من خلالها أنّ حقّ الإمامة والخلافة له وحده، ولا يمكن أن يصل إلى معاوية وأضرابه; لأنّ معاوية يفتقد المواصفات المؤهّلة للخلافة، بل يتّصف بما ينافيها.

ومن كلامه في جملة من المواقف وفي هذا الشأن بالخصوص :

١ ـ أنّه عليه السلام خطب فور وفاة أبيه عليه السلام فقال :"أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبيّ، وأنا ابن الوصي" (٤) .

٢ ـ إنّ معاوية طلب منه عليه السلام أن يصعد المنبر ويخطب، فصعد المنبر

__________

(١) ينابيع المودة: ٤٧٩ عن الزرندي المدني وص٤٨٢ و٥٢، وتفسير البرهان : ١ / ٢٨٦ .

(٢) تفسير الرازي : ١٣ / ٦٦، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة : ١ / ٢٤٧ عنه .

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢٠ / ٣٣٤ .

(٤) مستدرك الحاكم : ٣ / ١٧٢، وذخائر العقبى ١٣٨ عن الدولابي .


وخطب وصار يقول : أنا ابن، أنا ابن إلى أن قال : "لو طلبتم ابناً لنبيّكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي"(١) .