بمكن أن نقول : إن ظهور الخوارج إفراز طبيعي للصراع الدموي في الجمل وصفّين ، كما أنّنا لا يمكننا أن نعزل انحرافهم بمعزل عن انحراف الخلافة عن خطّ أهل البيت عليهم السلام
، لقد كان من أهمّ صفات الخوارج هو التحجّر والتمسّك بالظواهر والتعصّب والخشونة وعدم التمييز بين الحقّ والباطل ، وأنّهم سريعو التأثّر بالشائعات ، فيتردّدون عند أدنى شكّ .
ونجد أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
أخبر عن صفتهم ، إذ روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم
:(يخرج في هذه الأمة
ـ ولم يقل منها ـقوم تحقّرون صلاتكم مع صلاتهم ، يقرءون القرآن ولا يجاوز حلوقهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية)
.
ولم يتمكّن الإمام عليه السلام
من معالجة أمراضهم وانحرافاتهم ، فقد عاجلته الحروب والتمرّدات في الجمل وصفّين في فترة قصيرة جدّاً ، ويمكن أن نعزو ظهور الخوارج إلى :
١ ـ الإحباط النفسي والفشل في تحقيق النصر ، وخصوصاً أنّ معارك الإمام عليه السلام
ضد متمرّدين هم مسلمون في الظاهر ، فلم يتمكّن الخوارج من فهم
ــــــــــــ
معالجة الإمام للمتمرّدين ، ولم يتمكّنوا من تحمّل نتيجة التحكيم ، في حين هم الذين أجبروه على قبول التحكيم ، ولم يواجهوا أنفسهم بمواقفهم المنحرفة ، فسعوا إلى تعليق أخطائهم وتحميل أوزارها إلى طرف آخر غيرهم ولم يكن إلاّ الإمام عليّ عليه السلام
.
٢ ـ استغلالهم الحرية الفكرية التي فتحها الإمام عليه السلام
لكي تمارس الأمة وعيها الرسالي ، فقد روي أنّهم كانوا يعترضون على الإمام حتى أثناء خطبته بدعوى لا حكم إلاّ لله ، وما كان الإمام يجيبهم إلاّ بـ(كلمة حقّ يراد بها باطل)
. وقال الإمام عليه السلام
لهم :(لكم عندنا ثلاث خصال : لا نمنعكم مساجد الله أن تصلّوا فيها ، ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم في أيدينا ن ولا نبدؤكم للحرب حتى تبدؤونا)
فتحوّلت حركتهم من حالة فردية إلى حالة جماعية .