تجمّعت قوات المارقين عن الدين قرب النهروان بعد أن التحقت بهم مجاميع من البصرة وغيرها ، وحاول الإمام عليه السلام
مراراً أن يقنعهم بالتخلي عن فكرتهم وتمرّدهم وسعيهم للحرب ، ولم يجد فيهم إلاّ الفساد والجهل والإصرار ، فعبّأ جيشه ونصحهم بأخلاق الإسلام في كيفية التعامل في مثل هذه الظروف كما هو شأنه في كلّ معركة ولمّا انتهى الإمام عليه السلام
؛ إليهم بعث لهم رسولاً يطلب منهم قتلة عبد الله بن خباب وقتلة رسوله الحارث بن مرّة ، فردّوا عليه مجمعين : كلّنا قتلناهم وكلّنا مستحلّ لدمائكم ودمائهم .
ــــــــــــ
وبعث الإمام عليه السلام
قيس بن سعد وأبا أيوب الأنصاري لينصحوا القوم عساهم أن يفهموا واقع الأحداث ، ويجنّبوا الأمة مزيداً من الدماء، ثمّ أتاهم الإمام عليه السلام
فقال لهم :
(أيّتها العصابة التي أخرجها عداوة المراء واللجاجة ، وصدّها عن الحقّ الهوى ، وطمع بها النزق ، وأصبحت في الخطب العظيم ! إنّي نذير لكم أن تصبحوا تلعنكم الأمة غداً صرعى بأثناء هذا الوادي ، وبأهضام هذا الغائط بغير بيّنة من ربّكم ولا برهان مبين)
ثمّ بيّن لهم عليه السلام
أنّه كره التحكيم وعارضه ، وشرح سبب معارضته بوضوح لهم ، ولكنّهم أنفسهم أجبروا الإمام على قبول التحكيم ، وأنّ الحكمين لم يحكما بالقرآن والسنّة ، وها هو الإمام يعدّ العدّة لملاقاة معاوية ثانية ، فلا معنى لخروج المارقين ، ولم يرعِو المارقون لقول الإمام وطالبوه بتكفير نفسه وإعلان توبته ، فقال عليه السلام
:
(أصابكم حاصب ولا بقي منكم آثر أبعد إيماني برسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
وهجرتي معه وجهادي في سبيل الله أشهد على نفسي بالكفر، لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين)
ثمّ انصرف عنهم ، وتقدّم الخوارج فاصطفّوا للقتال وعبّأ الإمام عليه السلام
جيشه لملاقاتهم ، وفي محاولة أخيرة أمر الإمام أبا أيوب الأنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج ، ويقول لهم :(من جاء إلى هذه الراية فهو آمن ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن إنّه لا حاجة لنا فيكم إلاّ فيمن قتل إخواننا)
.
فانصرفت منهم مجاميع كثيرة ، وقال الإمام عليه السلام
لأصحابه :كفّوا عنهم حتّى يبدؤوكم بقتال
.
وهجم الخوارج وهم يتصايحون : لا حكم إلاّ لله الرواح الرواح إلى الجنّة ، ولم تمضِ إلاّ ساعة حتى أبيد أكثرهم ، ولم ينجُ منهم إلاّ أقلّ من عشرة ، ولم يُقتل من أصحاب الإمام إلاّ أقلّ من عشرة أشخاص
.
ــــــــــــ
وبعد أن سكنت أوار المعركة ؛ أمر الإمام عليه السلام
بطلب (ذي الثُّدية) ـ أحد قادة الخوارج ـ وألحَّ في ذلك لأنّ في ذلك مصداقاً لوصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
بمقاتلة المارقين عن الدين الذين فيهم ذو الثدية
ولمّا وجدوه أخبروا الإمام عليه السلام
فقال :(الله أكبر ما كذبت ولا كذّبت ، لو لا أن تنكلوا عن العمل ؛ لأخبرتكم بما قصّ الله على لسان نبيّه
صلى الله عليه وآله وسلم
لمن قاتلهم مستبصراً في قتالهم ، عارفاً للحقّ الذي نحن عليه)
وسجد عليه السلام
شكراً لله
.