كتب الله النصر لأمير المؤمنين عليه السلام
على مخالفيه ، ووضعت الحرب أوزارها ، وانقشع غبار المعركة ، ونادى منادي الإمام عليه السلام
يعلن العفو العام :ألا لا يجهز على جريح ولا يتبع مول ولا يطعن في وجه مدبر ، ومن ألقى السلاح فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، وأن لا يؤخذ شيء من أموال أصحاب الجمل إلاّ ما وجد في عسكرهم من سلاح أو غيره ممّا استخدم في القتال ، وما سوى ذلك فهو ميراث لورثتهم
.
وأمر الإمام عليّ عليه السلام
محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر أن يحملوا هودج عائشة من بين القتلى وسط ساحة المعركة وينحّوه جانباً ، وأن يتعهّد محمد أمر أخته عائشة ، فلمّا كان من آخر الليل أدخلها محمد البصرة فأنزلها في دار عبد الله ابن خلف الخزاعي .
وطاف الإمام عليه السلام
في القتلى من أصحاب الجمل ، وكان يخاطب كلاًّ منهم ويكرّر القول :قد وجدتُ ما وعدني ربّي حقاً فهل وجدتَ ما وعدك ربّك حقاً
.
وقال أيضاً :ما ألوم اليوم من كفّ عنّا وعن غيرنا ولكنّ المليم الذي يقاتلنا
.
وأقام الإمام عليه السلام
في ظاهر البصرة ولم يدخلها ، وأذن للناس في دفن موتاهم فخرجوا إليهم فدفنوهم
، ثمّ دخل عليه السلام
مدينة البصرة معقل الناكثين ، فانتهى إلى المسجد فصلّى فيه ثمّ خطب في الناس وذكّرهم بمواقفهم ومواقف الناكثين لبيعته ، فناشدوه الصفح والعفو عنهم ، فقال عليه السلام
:(قد عفوت عنكم ، فإيّاكم والفتنة ، فإنّكم أوّل الرعيّة نكث البيعة ، وشقّ عصا هذه الأمة)
ثمّ أقبلت الجماهير
ــــــــــــ
ووجوه الناس لمبايعة الإمام عليه السلام
.
وبعد ذلك دخل أمير المؤمنين بيت المال في البصرة ، فلمّا رأى كثرة المال قال :(غُرّي غيري ..)
وكرّرها مراراً ، وأمر أن يقسّم المال بين الناس بالسوية ، فنال كلّ فرد منهم خمسمائة درهم ، وأخذ هو كأحدهم ، ولم يبقَ شيء من المال فجاءه رجل لم يحضر الوقعة يطالب بحصّته ، فدفع إليه الإمام ما أخذه لنفسه ولم يصب شيئاً
.
ثمّ أمر أمير المؤمنين بتجهيز عائشة وتسريحها إلى المدينة ، وأرسل معها أخاها وعدداً من النساء ألبسهنّ العمائم وقلّدهن السيوف لرعاية شؤونها وأوصلنها إلى المدينة ، ولكنّ عائشة لم تحسن الظنّ بأمير المؤمنين وتصوّرت أنّ الإمام لم يرعَ حرمتها