كان موقف عائشة من عثمان غريباً متناقضاً لا يليق بمقام امرأة تعدّ من نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم
، فكانت تردّد قولها : (اقتلوا نعثلاً) ، وتحرّض الناس على التمرّد عليه وعلى قتله
، وقد خرجت من المدينة إلى مكّة أثناء محاصرة عثمان من قبل الثوار وهي تتوقّع النهاية السريعة لعثمان ، ومن ثمَّ فوز قريبها طلحة بالخلافة ، والاستيلاء على الحكم .
وحين فوجئت بأنّ الأمر قد استقرّ ـ بعد بيعة الناس إلى الإمام عليّ عليه السلام
، كرّت راجعة نحو مكّة بعد أن كانت قد عزمت على الرجوع إلى المدينة
، وأعلنت حزنها وتظلّمها على عثمان ، فقيل لها : أنتِ التي حرّضت على قتله
ــــــــــــ
فاختلقت عذراً واهياً ، فقالت : إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه
. وكأنّها كانت حاضرة تشهد مقتله .
وأعلنت عائشة حربها ضدّ الإمام عليّ عليه السلام
في خطابها الذي ألقته في مكّة محرّضة أتباعها على الحرب
.
وطمعت عائشة في توسيع جبهتها ضدّ الإمام عليّ عليه السلام
فحاولت مخادعة أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
للخروج معهنّ ضدّ الإمام ، فامتنعن من ذلك ، وحاولت أم سلمة أن تنصحها عسى أن ترجع عن غيّها ، وتجنّب الأمة البلاء والدماء ، فقالت لها : إنّك كنت بالأمس تحرّضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول وما كان اسمه عندك إلا نعثلاً ، وإنّك لتعرفين منزلة عليّ بن أبي طالب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
، أفأذكِّرك ؟ قالت أم سلمة : أتذكرين يوم أقبل عليه السلام
ونحن معه حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال خلا بعليّ يناجيه ، فأطال فأردت أن تهجمين عليهما فنهيتك فعصيتِني فهجمتِ عليهما ، فما لبثتِ أن رجعت باكية ، فقلتُ : ما شأنك ؟ فقلتِ : إنّي هجمت عليهما وهما يتناجيان ، فقلتُ لعليّ : ليس لي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
إلاّ يوم من تسعة أيام أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي ؟ فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عليَّ وهو غضبان محمرّ الوجه ، فقال :(ارجعي وراءك والله لا يبغضه أحدٌ من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلاّ وهو خارج من الإيمان)
، فرجعتِ نادمة ساخطة ، قالت عائشة : نعم أذكر ذلك ، قالت أم سلمة : أيّ خروج تخرجين بعد هذا ؟ فقالت عائشة : إنّما أخرج للإصلاح بين الناس ، وأرجو فيه الأجر إن شاء الله ، فقالت أم سلمة : أنتِ ورأيكِ ، فانصرفت عائشة عنها
.
وروي : أنّ نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
خرجن مع عائشة إلى منطقة (ذات عرق)
ــــــــــــ
ويبدو أنّهنّ حاولن إرجاع عائشة إلى المدينة والحيلولة دون وقوع الفتنة ، فلم يتوصّلن إلى حلّ فبكين على الإسلام وبكى الناس معهنّ ، وسمّي ذلك اليوم بـ (يوم النحيب)
.