ــــــــــــ
في الاستمرار بمسيرتها نحو هدفها السماوي الذي فرضه الله سبحانه وتعالى وقد عمل الإمام على هذا المحور بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
مباشرة ، كما عبّر عن مسؤوليته تجاه هذا الأمر بقوله عليه السلام
:(لو لا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم ؛ لألقيت حبلها على غاربها)
.
فحاول الإمام عليه السلام
تعبئة الأمة ، ولكنّه لم يتمكّن أن يصل إلى حدّ إنجاح هذه المحاولة لأسباب منها :
١ ـ عدم وعي الأمة لرزيّة يوم السقيفة وما جرى فيها من مؤامرات سياسية وتوجّها خاطئة كانت خافية على شريحة كبيرة من الأمة .
٢ ـ عدم فهم دور ومسؤولية الإمام والإمامة ، فقد تصوّروه مطلباً شخصياً وهدفاً فردياً ، ولكنّ الحقيقة أنّ دخول الإمام في مواجهة الحاكمين كان بوعي رسالي وإرادة صادقة لاستمرار الرّسالة الإسلامية نقيةً كما شرّعها الله بعيدةً عن الزيغ والانحراف ، ومضحّياً بكلّ شيء من أجل ذلك حتى لو كان ذلك تعدّياً على حقّ الشخصيّ ، فالمقياس هو سلامة الرسالة وديمومتها على أسس الحقّ والعدل الإلهي وهو القائل :(إعرف الحقّ تعرف أهله)
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
:(عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ)
.
كما أنّ الإمام عليّاً عليه السلام
عمل بشمولية وعلى جميع المستويات موفّقاً بين النظرية والتطبيق ، فربّى أصحابه على أنّهم أصحاب الأهداف الرسالية لا أصحاب الأشخاص يميلون مع هذا الطرف أو ذاك، ونجد أنّ الإمام رفض أن يستلم الحكم بشرط السير بسيرة من قبله ، إذ كانت تسيء إلى الرسالة والمجتمع .
٣ ـ الرواسب الجاهلية المتأصّلة في فكر الأمة ، فالعهد قريب ولم تدرك الأمة عمق الرسالة والرسول ودور الإمام ، فتصوّروا أنّ عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
بالوصاية للإمام عليه السلام
مجرّد عملية ترشيح لأحد أعضاء أسرته ، وإنّه قد يهدف لإحياء أمجاد أسرة متطلّعة للمجد والسلطان كما هو دأب غالب الحكّام قبل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
وبعده .
ــــــــــــ
٤ ـ دور المنافقين وأطماعهم في زعزعة الاستقرار الأمني والاجتماعي ، ومحاولة إثارة النوازع والأحقاد بين صفوف المسلمين ، وتغلغلهم في صفوف الجهاز الحاكم والدولة ويزدادون توغّلاً إذا كان الحاكم ضعيفاً أو منحرفاً .
٥ ـ الأمراض النفسية لدى المتصدّين للزعامة ، فكان الشعور بالنقص لديهم تجاه الإمام عليّ عليه السلام
بدرجة عالية ، حيث كان الإمام عليه السلام
يمثّل تحدّياً بوجوده ، بصدقه ، بجهاده ، بصراحته ، باستبساله وشبابه (كما ورد في كتاب معاوية لمحمد ابن أبي بكر)
.
المحور الثاني : وحين لم يفلح المحور الأوّل في بلوغ هدفه عمل الإمام عليه السلام
بمنهجية أخرى ، ألا وهي تحصين الأمة ضد الانهيار التامّ وإعطاؤها من المقوّمات القدر الكافي كي تتمكّن من البقاء صامدة في مواجهة المحنة بعد استيلاء فئة غير كفوءة على السلطة وانحدار الأمة عن جادّة الحقّ والصواب بسببها .
فاجتهد الإمام عليه السلام
في تعميق الرسالة فكرياً وروحياً وسياسياً في صفوف الأمة ، وتقديم الوجه الحقيقي للنظرية الإسلامية عبر أساليب منها :
١ ـ التدخّل الإيجابي في عمل الزعامة المنحرفة بعد أن كانوا لا يحسنون مواجهة ومعالجة القضايا الكثيرة البسيطة منها والمعقدة وتوجيههم نحو المسار الصحيح لإنقاذ الأمة من مزيد الضياع ، فكان دور الإمام عليه السلام
دور الرقيب الرسالي الذي يتدخّل لتقويم الأود.
ونجد الإمام يتدخّل للردّ على شبهات المنكرين للرسالة بعد أن عجز
ــــــــــــ
المتصدّي للزعامة عن ذلك ، ونجده أيضاً يتدخّل ليعطي للخليفة نصائح عسكرية أو اقتصادية ، وما أكثر نصائحه ومعالجاته القضائية
!
٢ ـ توجيه مسار سياسة الخليفة ومنعها من المزيد من الانحراف من خلال الوعظ والنصيحة ، وبدا هذا الأسلوب جليّاً في عهد عثمان بن عفان حيث كان لا يقبل التوجيه والنصيحة .
٣ ـ تقديم المثل الأعلى للإسلام والصورة الحقيقية لطبيعة وشكل الحكم والمجتمع الإسلامي ، وقد ظهر هذا واضحاً في فترة حكومة الإمام عليه السلام
، وعلى هذا الأساس استند قبول الإمام للحكم بعد أن رفضه ، فقد مارس دور القائد السياسي المحنّك والحاكم العادل ونموذج الإنسان الذي صاغته الرسالة الإسلامية وكان مثالاً يُحتذى به لبلوغ هدف الرسالة ، فهو المعصوم عن الخطأ والزلل والدنس في الفكر والعمل والسيرة .
٤ ـ تربية وبناء ثلّة صالحة من المسلمين تُعين الإمام عليه السلام
في حركته الإصلاحية والتغييرية ، وذلك عبر تحرّكها في وسط الأمة لإنضاج أفكارها وتوسيع قاعدة الفئة الواعية الصالحة ، وتستمر في مسيرها عبر التأريخ لتتواصل الأجيال اللاحقة في العمل وفق النهج الإسلامي
.
٥ ـ إحياء سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
والتنبيه عليها وتدوينها والاهتمام بالقرآن تلاوةً وحفظاً وتفسيراً وتدويناً ، إذ هما عماد الشريعة، ولابدّ أن تدرك الأمة حقائق القرآن والسنّة كما شُرّعت وكما أريد لها أن تفهمها .