تعايش الإمام عليّ عليه السلام
مع أبي بكر وعمر ، ولم يظهر معارضته العلنية لهما ، فقد كان الانحراف في مسيرة الحكومة الإسلامية مستتراً ، وكان الإمام عليه السلام
يتدخّل في أحيان كثيرة لإصلاح موقف الخليفة الخاطئ فيستجيب له ، ولم يخشَ أبو بكر وعمر من الإمام عليه السلام
إلاّ لكونه الممثّل الشرعي للأمة وصاحب الحقّ في الخلافة وقائداً لتيار المعارضة الذي يضمّ أجلاّء الصحابة ، ولكنّ الإمام تنازل عن حقّه في الخلافة فأمّن القوم من جانبه ، ولكنه لم يتنازل عن المبدأ الذي ورثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بكونه المراقب والمحافظ للعقيدة الإسلامية .
أمّا في فترة حكم عثمان فقد استشرى الفساد ودبَّ في أجهزة الدولة بصورة علنية مكشوفة ، وانتقلت العدوى إلى فئات المجتمع الإسلامي ، فوقف الإمام معلناً رفضه واستنكاره على عثمان بصورة علنية ، ووقف معه الصحابة الأجلاّء أمثال عمّار بن ياسر وأبي ذر ، بل حتّى الذين وقفوا موقف المعارض لخلافة أمير المؤمنين لم يرضوا على عثمان سوء إدارته وفساد حكومته ، ويمكن لنا أن نجمل طبيعة حكم عثمان وملامحه فيما يلي :
ــــــــــــ
إن عثمان وصل إلى الحكم وقد تجاوز السبعين عاماً ، وكان وصولاً لأرحامه ولوعاً بحبّهم وإيثارهم ، فقد روي عنه قوله : لو أن بيدي مفاتيح الجنّة لأعطيتها بني أُمية حتى يدخلوا من عند آخرهم كما أنّ عثمان عاش غنيّاً مترفاً قبل الإسلام ، وظلّ على غناه في الإسلام ، فلم يكن ليتحسّس معاناة الفقراء وآلام المحرومين ، فكانت شخصيته مزدوجة في التعامل مع الجماهير المحرومة التي تطالبه بالعدل والسوية ، فيعاملها بالشدّة والقسوة ، كما في تعامله مع عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وأبي ذر وغيرهم .
وأمّا من جهة أقربائه وقلّدهم الأمور ، فاستعمل الوليد بن عقبة ابن أبي معيط على الكوفة وهو ممّن أخبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
أنّه من أهل النار ، وعبد الله ابن أبي سرح على مصر ، ومعاوية بن أبي سفيان على الشام ، وعبد الله بن عامر على البصرة ، وصرف الوليد بن عقبة عن الكوفة وولاّها سعيد بن العاص
.
وكان عثمان ضعيفاً أمام مروان بن الحكم ، يسمع كلامه وينفّذ رغباته ، حتى أنّه عندما تألّبت الأمصار على عثمان وتأزّمت الأوضاع ؛ تدخّل الإمام ليهدّئ الحالة ويرجع الثائرين ـ الذين جاءوا يطالبون بإصلاح السياسة الإدارية والمالية وتبديل الولاة ـ إلى بلدانهم ، وأخذ من عثمان شرطاً أن لا يطيع مروان بن الحكم وسعيد بن العاص .
ولكن بمجرد أن هدأت الأوضاع ؛ عاد مروان وحرّض عثمان على أن يخرج وينال من الثوار ، فخرج إليه الإمام عليّ عليه السلام
مغضباً فقال :(أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلاّ بتحرفك عن دينك وعن عقلك مثل جمل الضعينة يُقاد
ــــــــــــ
حيث يُسار به ، والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه)
؟
وفي موقف آخر مع الوليد بن عقبة أنّ الخليفة عثمان غضب على الشهود الذين شهدوا على الوليد بشربه الخمر ودفعهم ، وهنا تدخّل الإمام وهدّد عثمان من عواقب الأمور ، فأمره الإمام عليه السلام
باستدعاء الوليد ومحاكمته وإقامة الحد عليه ، وحين اُحضر الوليد وثبتت عليه شهادة الشهود ؛ أقام الإمام عليه السلام
عليه الحدّ ممّا أغضب عثمان ، فقال للإمام : ليس لك أن تفعل به هذا ، فأجابه الإمام بمنطق الحقّ والشرع قائلاً :(بل وشرّ من هذا إذا فسق ومنع حقّ الله أن يؤخذ منه)
.
وأمّا سياسة عثمان المالية فقد كانت امتداداً لسياسة عمر من إيجاد الطبقية وتقديم بعض الناس على بعض في العطاء ، إلاّ أنّها أكثر فساداً من سياسة سابقه ، فقد أثرى بني أميّة ثراءً فاحشاً ، وحين اعترض عليه خازن بيت المال قال له : إنّما أنت خازن لنا ، فإذا أعطيناك فخذ وإذا سكتنا عنك فاسكت ، فقال : والله ما أنا لك بخازن ولا لأهل بيتك ، إنّما أنا خازن للمسلمين وجاء يوم الجمعة وعثمان يخطب فقال : أيّها الناس ! زعم عثمان أنّي خازن له ولأهل بيته ، وإنّما كنت خازناً للمسلمين ، وهذه مفاتيح بيت مالكم ، ورمى بها
.