مهّد أبو بكر كرسيّ الخلافة لعمر بن الخطاب فتولاّها بسهولة ويسر دون معارضة تذكر من أقطاب المهاجرين والأنصار ، وقد قبض على زمام الحكم بقوة وساس الأمة بشدّة ، حتى تحامى لقاءه أكابر الصحابة
وحقّقت جاهلية قريش انتصاراً سياسياً آخر ومضت بخطّها على أن لا تعطي حقّاً لبني هاشم ، وأتقن عمر هذا السير أيّما إتقان .
أمّا أمير المؤمنين عليه السلام
فلم يثأر لحقه المغتصب بعدما شاهد من سيرة السلطة الحاكمة وحركة الفئة غير الواعية في ركبها ، من تعنت وإصرار على الانحراف بالخلافة ، فوقف الإمام موقف الناصح الأمين للخليفة الجديد شعوراً منه بالمسؤولية الكبيرة ، فهو الأمين على سلامة الرسالة والأمة ، لقد ساهم أمير المؤمنين في الحياة العامّة ما وسعه من جهد ، وأدّى ما عليه من تكليف في تعليم وتفقيه وقضاء بصورة أوسع من دوره في عهد أبي بكر حيث اقتضت الضرورة ذلك ، فقد اتّسعت رقعة البلاد الإسلامية واستجدّت أحداث جديدة طارئة كان يعجز عنها الخليفة الجديد وكلّ من معه من الصحابة ، ولم يكن يجد لها حلولاً إلاّ
ــــــــــــ
ممّن عصمه الله عن الذنب والخطأ ، ولذا كان عمر يقف متصاغراً أمام أمير المؤمنين ويحترم رأيه ويمضي حكمه وقراره حتى روي عنه لأكثر من مرّة وفي أكثر من موقف حرج قوله : لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن
.
فقد روي أنّ عمر أراد أن يرجم امرأةً مجنونةً اُتّهمت بالزنا ، فردّ الإمام عليّ عليه السلام
قضاء عمر وذكّره بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
:(رفع القلم عن ثلاث : عن المجنون حتى يبرأ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبيّ حتى يعقل)
حينذاك قال عمر : لو لا عليّ لهلك عمر
.