ولمّا انصرف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
راجعاً إلى المدينة ومعه تلك الحشود الغفيرة من المسلمين ؛ وصل إلى غدير خمّ من الجحفة التي تتشعّبُ فيها طرق أهل المدينة والعراق ومصر ، وذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، نزل إليه الوحي عن الله بقوله :(
يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ
)
وأمره أن يقيم عليّاً علماً للناس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كلّ أحد ، وقد ضمن الوحي للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
أن يكفيه شرّ الحاقدين والحاسدين من الناس ، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أن يردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من
ــــــــــــ
تأخّر عنهم في ذلك المكان الذي لم يكن منزلاً لأحد من قبله ، ولم يكن هو صلى الله عليه وآله وسلم
ينزل فيه لو لا خطاب الوحي له ، ثمّ وقف صلى الله عليه وآله وسلم
بين تلك الجموع وقال بصوت يسمعه الجميع :أيّها الناس كأنّي قد دعيت فأجبت ، إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ..
ثمّ قال :إنّ الله مولاي وأنا وليُّ كلّ مؤمن ومؤمنة
، وأخذ بيد عليّ عليه السلام
وقال :( من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأنصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأَدر الحق معه حيث دار ، أَلا فليبلّغ الشاهد الغائب )
.
ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزل أمين الوحي بقوله :
(
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً
)
.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
:(الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي والولاية لعلّي من بعدي)
ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين عليه السلام
وممّن هنّأه في مقدّم الصحابة الشيخان أبو بكر وعمر ، كلٌّ يقول :بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة
.
وروي : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
أمر بنصب خيمة لعليّ عليه السلام
وأمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، ففعل ذلك كلّهم حتّى من كان معه صلى الله عليه وآله وسلم
من أزواجه ونساء المسلمين
.
ــــــــــــ