ساد الهدوء والسلم الأجواء المحيطة بقريش والمسلمين ، والتزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بكامل بنود الحديبية ، غير أنّ قريشاً كانت تنوي نقض المعاهدة ، وقد تصوّرت أن ضعفاً أصاب المسلمين بعد انسحابهم من معركة (مؤتة) منهزمين ، فأدّى استخفافها بالمسلمين إلى التآمر على أحلاف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
من خزاعة ، فحرّضت بعض أحلافها من بني بكر ، فوقعت بينهما مناوشات فتغلّب بنو بكر بمعونة قريش على خزاعة ، وبهذا فقد نقضت قريش المعاهدة وأعلنت الحرب على المسلمين .
فعزم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
على محاربة قريش ، وقال كلمته المشهورة :( لا نصرت إن لم أنصر خزاعة )
وأخذ يستعدّ لذلك وهو يحرص على أن لا يذاع هذا الأمر ، ولكن حاطب بن أبي بلتعة سرّب الخبر ، فأرسل كتاباً إلى قريش مع امرأة يخبرهم بما عزم عليه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
، وقبل خروجها من ضواحي المدينة ؛ نزل الوحي على النبيّ وأخبره بذلك ، فأرسل خلفها بالفور عليّاً والزبير ، وأمرهما بأن يجدّا السير في طلبها قبل أن تفلت منهما ، فأدركاها على بعد أميال من المدينة ، فأسرع إليها الزبير وسألها عن الكتاب فأنكرته وبكت فرقّ لها الزبير ، ورجع عنها ليخبر عليّاً ببراءتها وقال له : ارجع لنخبر الرسول بذلك ، فقال عليّ عليه السلام
:إنّ رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم
يخبرنا بأنّها تحمل كتاباً وتقول أنت بأنّها لا تحمل شيئاً ، ثمّ شهر عليّ
عليه السلام
سيفه
ــــــــــــ
وأقبل عليها حتى استخرج الكتاب منها ، ورجع إلى النبيّ
صلى الله عليه وآله وسلم
وسلّمه إيّاه
.
ولمّا أتمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
الاستعدادات والتجهيزات اللازمة للخروج إلى مكّة ؛ أعطى لواءه إلى عليّ عليه السلام
ووزّع الرايات على زعماء القبائل ومضى يقطع الطريق باتّجاه مكّة .
ولمّا رأت قريش أنّها لا طاقة لها أمام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
والمسلمين ؛ استسلمت ولم تجد بُدّاً من أن يدخل كلّ فرد منهم داره ليأمن على نفسه انقياداً للأمان الذي أعلنه النبيّ لهم
.
وروي : أنّ سعد بن عبادة كان معه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
على الأنصار ولمّا مرَّ على أبي سفيان وهو واقف بمضيق الوادي ( في الطريق إلى مكّة ) قال أبو سفيان : من هذه ؟ قيل له : هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة مع الراية ، فلمّا حاذاه سعد قال : يا أبا سفيان ، اليوم يوم الملحمة ، اليوم تُستحلّ الحرمة ، اليوم أذلّ الله قريشاً ، فلمّا مرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بأبي سفيان وحاذاه أبو سفيان ناداه : يا رسول الله ! أمرت بقتل قومك فإنّه زعم سعد ومن معه حين مرّ بنا أنه قاتلنا فإنّه قال : اليوم يوم الملحمة أنشدك الله في قومك ، فأنت أبرّ الناس وأرحمهم وأوصلهم .
فقال صلى الله عليه وآله وسلم
:( كذب سعد ، اليوم يوم المرحمة ، اليوم أعزَّ الله فيه قريشاً ، اليوم يعظّم الله فيه الكعبة ، اليوم تكسى فيه الكعبة )
.
وأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
إلى سعد بن عبادة عليّاً عليه السلام
أن ينزع اللواء منه ، وأن يدخل بها مكّة
.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
مكّة بذلك الجيش الكبير الذي لم تعرف له مكة نظيراً في تأريخها الطويل ، ولواؤه بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام
، وأعلن العفو العامّ وهو على أبواب مكّة .
ــــــــــــ