ولمّا انصرف أبو سفيان ومن معه ؛ بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عليّاً عليه السلام
فقال : اخرج في آثار القوم وانظر ماذا يصنعون ، فإن كانوا قد جنّبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنّهم يريدون مكّة ، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة .
قال عليّ عليه السلام
:فخرجتُ في آثارهم فرأيتهم جنّبوا الخيل وامتطوا الإبل يريدون مكّة
.
ولمّا رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمةعليهاالسلام
وقال :اغسلي عن هذا دمه يا بنية
، وناولها عليّ عليه السلام
سفيه وقد خضّب الدم يده إلى كتفه ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
:خذيه يا فاطمة فقد أدّى بعلك ما عليه ، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش
.
كانت معركة أُحد قاسية نتيجتها ، شديدة وطأتها ، باهضة مكلّفة خسارتها ، ورغم مرارة المعركة نلمح فيها ومضات ساطعة من مواقف عليّ عليه السلام
، فقد امتاز بأمور دون أن يشاركه فيها أحد :
ــــــــــــ
١ ـ أنه كان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
والتي لم تسقط إلى الأرض رغم فرار أغلب المسلمين .
٢ ـ قتله عليه السلام
أصحاب راية المشركين الذين تصدّوا لحملها ، وقد أظهر بذلك حنكة عسكرية وشجاعة فذّة ، وأحدث بذلك شرخاً كبيراً في صفوف المشركين كان سبباً في هزيمتهم في أوّل المعركة .
٣ ـ ثباته عليه السلام
مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وعدم فراره بعدما فرّ عنه الناس يدلّ على إيمانه المطلق بالمعركة ، والذي يكشف عن عمق العقيدة ورسوخها في نفسه عليه السلام
.
٤ ـ أنه كان هو المحامي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
والدافع عنه كتائب المشركين الذين قصدوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم
، فكان عليه السلام
يمثّل الدرع التي تقي رسول الله عن وصول مكروه إليه ، وهذا يدلّ على عظيم حبّه للرسول وتفانيه في الحرص على سلامته .
٥ ـ أنّ أكثر المقتولين من المشركين يومئذٍ قتلاه
، وهذا يدلّ على فاعليته القتالية العالية وقوّته وشجاعته عليه السلام
.
٦ ـ الأخلاق والقيم العالية التي عكسها في المعركة حيث ترك الإجهاز على طلحة بن أبي طلحة عندما كشف عن عورته حياءً منه عليه السلام
وتكرّماً .
٧ ـ أنّه عليه السلام
كان قريباً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ملازماً له حيث كان الرسول يوجّهه ليرد الهاجمين عليه ، وأيضاً هو الذي أخذ بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لمّا سقط في إحدى الحفر التي حفرها أبو عامر الراهب في ساحة المعركة ليقع فيها المسلمون
.
ــــــــــــ
كما أنّه هو الذي حمل الماء بدرقته إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
ليغسل الدم والتراب عن وجهه ورأسه .
٨ ـ ورغم الجراحات التي تعرّض لها عليّ عليه السلام
والجهد الذي بذله ؛ فقد أرسله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
بعد انصراف قريش عن المعركة ليستطلع أخبارهم ، وهذا يدلّ على ثقة الرسول بقدرة عليّ ودقّة ضبطه للمعلومات وحنكته في معالجة الأمور الطارئة ، فالمعركة لم تنته بعد تماماً
.