وفد بعض أساقفة نصارى نجران على النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وناظروه في عيسى، فأقام عليهم الحجة فلم يقبلوا، ثم اتفقوا على المباهلة(١) أمام الله على أن يجعلوا لعنة الله الخالدة وعذابه المعجّل على الكاذبين .

ولقد سجّل القرآن الكريم هذا الحادث العظيم في تاريخ الرسالة الإسلامية بقوله تعالى :

( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٢) .

فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم "السيّد والعاقب والأهتم" : إن باهلنا بقومه باهلناه، فإنه ليس نبيّاً، وإن باهَلنا بأهل بيته خاصة لم نباهله، فإنه لا يُقدِم إلى أهل بيته إلاّ وهو صادق، فخرج إليهم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ومعه عليّ وفاطمة والحسنان عليهم السلام فسألوا عنهم، فقيل لهم : هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه علي بن أبي طالب، وهذه ابنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين، ففرقوا فقالوا لرسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم : نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة، فصالحهم رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم على الجزية وانصرفوا(٣) .

ولقد أجمع المفسّرون على أنّ المراد بأبنائنا : الحسن والحسين(٤) .

__________

(١) من البهلة : وهي اللعنة، ثم كثر استعمال الابتهال في المسألة والدعاء إذا كان بإلحاح .

(٢) آل عمران (٣) : ٥٩ ـ ٦١ .

(٣) راجع تفسير القمي: ١ / ١٠٤، والقرشي : ١ / ٨٨ ـ ٩١ وقد روى قضية المباهلة بأهل الكساء ـ بالاختصار تارة وبالتفصيل أخرى ـ جم غفير من الحفاظ والمفسّرين، راجع الحياة السياسية للإمام الحسن: ص١٨ ـ ١٩، وراجع الميزان في تفسير القرآن : ٣ / ٣٦٨ طبعة الأعلمي .

(٤) مجمع البيان : ٢ / ٤٥٢، وراجع التبيان : ٢ / ٤٨٥، وتفسير الرازي : ٨ / ٨٠، وحقائق التأويل ١١٤ وفيه : أجمع العلماء الخ .


وقال الزمخشري : وفيه دليل ـ لا شيء أقوى منه ـ على فضل أصحاب الكساء(١) .

ويمكننا استخلاص جملة من الأمور من يوم المباهلة أهمها :