ولد الإمام الحسن عليه السلام في حياة جدّه الرسول الأكرم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وعاش في كنفه سبع سنوات وستّة أشهر من عمره الشريف .

إن كلمة الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم للإمام الحسن عليه السلام :"أشبهت خَلقي وخُلقي" تعدّ وسام الجدارة والاستحقاق لذلك المنصب الإلهي الذي هو وراثة الرسالة وخلافة النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بعد خلافة وصيه علي بن أبي طالب عليه السلام .

وإنّ إحدى مهامّ الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم خلق المناخ الملائم لدى الأُمة التي يفترض فيها أن لا تستسلم لمحاولات الابتزاز لحقّها المشروع في الاحتفاظ بقيادتها الإلهية، وأن لا تتأثر بعمليات التمويه والتشويه لطمس الركائز التي تقوم عليها رؤيتها العقائدية والسياسية التي حاول الإسلام تعميقها وترسيخها في ضمير الأُمة .

ومن هنا نعرف الهدف الذي كان يرمي إليه النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم في تأكيداته المتكررة على ذلك الدور الذي كان ينتظر الإمام الحسن وأخاه عليهما‌ السلام منها قوله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم :"إنّهما إمامان قاما أو قعدا" (١) و"أنتما الإمامان، ولاُمّكما الشفاعة" (٢) .

وقوله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم للحسين عليه السلام :"أنت سيّد، ابن سيّد، أخو سيّد، وأنت إمام، ابن إمام، أخو إمام، وأنت حجة، ابن حجة، أخو حجة، وأنت أبو حجج تسعة، تاسعهم قائمهم" (٣) .

وقوله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم في الإمام الحسن عليه السلام :"هو سيّد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الأُمة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنّه منّي، ومن عصاه فإنّه ليس منّي ..." (٤) .

__________

(١) راجع كتاب أهل البيت تأليف توفيق أبو علم: ٣٠٧، والإرشاد للمفيد ٢٢٠، وكشف الغمة للأربلي: ٢ / ١٥٩، وعلل الشرائع: ١ / ٢١١، والمناقب لابن شهر آشوب: ٣ / ٣٦٧ وعبر عنه بالخبر المشهور.

(٢) إثبات الهداة: ٥ / ٥٢، والإتحاف بحب الأشراف : ١٢٩ .

(٣) ينابيع المودة: ١٦٨، وإثبات الهداة : ٥ / ١٢٩ .

(٤) فرائد السمطين : ٢ / ٣٥، وأمالي الصدوق : ١٠١ وحول ما يثبت إمامة الإمام الحسن عليه‌السلام راجع : ينابيع المودة : ص٤٤١ و٤٤٢ و٤٤٣ و٤٨٧ عن المناقب، وفرائد السمطين : ٢ / ١٤٠ ـ ١٣٤ ـ١٥٣ ـ ٢٥٩ وفي هوامشه عن المصادر التالية : غاية المرام: ٣٩، وكفاية الأثر المطبوع في آخر الخرائج والجرائح: ٢٨٩، وعيون أخبار الرضا: باب ٦ ص٣٢، وبحار الأنوار : ٣ / ٣٠٣ و ٣٦ / ٢٨٣ و٤٣ / ٢٤٨.


ونلاحظ حرصه على ربط قضاياهما بنفسه، إذ يقول :"أنا سِلمٌ لِمَن سالمتم، وحرب لِمَن حاربتم" (١) .

وجاء عن أنس بن مالك أنّه قال : دخل الحسن على النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم فأردت أن أميطه عنه، فقال :"ويحك يا أنس! دع ابني وثمرة فؤادي، فإنّ من آذى هذا آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله" (٢) .

وكان الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم يُقَبّل الإمام الحسن عليه السلام في فمه ويُقَبّل الإمام الحسين عليه السلام في نحره، وكأنّه يريد إثارة قضية مهمة ترتبط بسبب استشهادهما عليهما‌ السلام وإعلاماً منه عن تعاطفه معهما، وتأييده لهما في مواقفهما وقضاياهما .

لقد كان الإمام الحسن عليه السلام أحبّ الناس إلى النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم (٣) ، بل لقد بلغ من حبّه له ولأخيه أنّه كان يقطع خطبته في المسجد وينزل عن المنبر ليحتضنهما .

والكلّ يعلم أنّ الرسول صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم لم ينطلق في مواقفه من منطلق الأهواء الشخصية، والنزعات والعواطف الذاتية، وإنّما كان ينبّه الأُمة إلى عظمة هذين الإمامين ومقامهما الرفيع.

وإنّ ما ذكر هو الذي يفسّر لنا السرّ في كثرة النصوص التي وردت عنه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم حول الحسنين عليهما‌ السلام مثل قوله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بالنسبة للإمام الحسن عليه السلام :"اللّهمّ إنّ هذا ابني وأنا أُحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه" (٤) ، وقوله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم :"أحبّ أهل بيتي إليّ الحسن والحسين ..." (٥) .

__________

(١) راجع سنن الترمذي : ٥ / ٦٩٩، وسنن ابن ماجة : ١ / ٥٢، وينابيع المودة: ١٦٥ و٢٣٠ و٢٦١ و٣٧٠ عن جامع الأصول وغيره.

(٢) أهل البيت تأليف توفيق أبو علم : ٢٧٤، وراجع سنن ابن ماجة : ١ / ٥١ .

(٣) نسب قريش لمصعب الزبيري: ص٢٣ ـ ٢٥ .

(٤) تهذيب تاريخ ابن عساكر : ٤ / ٢٠٥ و٢٠٦ و٢٠٧، والغدير : ٧ / ١٢٤ .

(٥) راجع الكثير من هذه النصوص في المصدرين السابقين، وسيرتنا وسنتنا: ١١ ـ ١٥، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة، وفرائد السمطين، وترجمة الحسن وترجمة الحسين من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي، والفصول المهمة للمالكي، وترجمة الإمام الحسن من أنساب الأشراف، ونور الأبصار.