أمسك معاوية والطغمة الفاسدة من بني أُمية بزمام الحكم، وأكملوا بذلك الانحراف الذي حصل من السقيفة، حيث حوّل معاوية الخلافة إلى ملك عضوض مستبدّ، حين صرّح بعدائه للأمة الإسلامية واعترف بعدم رضى الأمة به حاكماً بقوله: والله ما ولّيتها - أي الخلافة - بمحبّة علمتها منكم ولا مسرّة بولايتي ولكن جالدتكم بسيفي(1) .

ولكنّ معاوية والتيار الذي تزعّمه واجه عقبةً كؤوداً، هي تطبيق الإمام علي عليه السلام لأحكام الشريعة الإسلامية بصورتها الصحيحة. مضافاً إلى أنّه لم يترك الأمة حتى عمّق العقيدة في النفوس، فأحبّته الجماهير - وخصوصاً أهل العراق - وكان في ذلك حريصاً على الرسالة والأمة الإسلامية ومفنّداً مزاعم أرباب السقيفة حين عبّر أبو بكر عن عجزه واعتذر عن كثرة أخطائه بقوله: فإني قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم(2) . فإنّ هذا الاعتذار قد يفهم منه

____________________

(1) تأريخ الخلفاء: 71.

(2) المصدر السابق.


عدم إمكان التطبيق التام للشريعة الإسلامية. ولكنّ الإمام عليّاً عليه السلام قد قدّم النموذج الحيّ للقيادة الكفوءة الواعية والمعصومة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكانت الأمة المسلمة تتوقّع قائداً كعلي بن أبي طالب عليه السلام .

ولكن معاوية شرع في تشويه هذه القيم الإسلامية ومحاربة القوى المتعاطفة مع أهل البيت عليهم السلام وهدم كلّ ما بناه الإمام علي عليه السلام في الأمة الإسلامية من قيم فتفقد إرادتها ويموت ضميرها لئلاّ تكون قادرة على مواجهة أهواء الحكّام المخالفة للدين الحنيف. لقد أعلن معاوية - منذ أوّل خطوة - أنّ هدفه الأساس هو استلام زمام الحكم حتّى لو أريقت من أجله دماء المسلمين المحرّمة بكلمته المعروفة: والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم(1) .