الإمام زين العابدين عليه السلام
بعد ملحمة عاشوراء :
ذكر المؤرّخون عن شاهد عيان أنّه قال: قدمت الكوفة في المحرّم من سنة إحدى وستّين، منصرف عليّ بن الحسين عليه السلام
بالنسوة من كربلاء ومعه الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر اليهم، فلمّا اُقبل بهم على الجمال بغير وطاء جعل نساء الكوفة يبكين، ويلتدِمنَ
، فسمعت عليّ بن الحسين وهو يقول بصوت ضئيل وقد نهكته العلّة وفي عنقه الجامعة ويده مغلولة إلى عنقه:(إنّ هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا؟!)
.
وعندما أدخلوا الإمام السجاد عليه السلام
على ابن زياد سأله من أنت؟ فقال:(أنا عليّ بن الحسين)
، فقال له: أليس قد قتل الله عليّ بن الحسين؟ فقال عليّ عليه السلام
:قد كان لي أخ يسمّى عليّاً قتله الناس
، فقال ابن زياد: بل الله قتله، فقال عليّ بن الحسين عليه السلام
:(
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا
)
، فغضب ابن زياد وقال: وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للردّ عليّ؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه
.
ــــــــــــــ
(١) التدمت المرأة: ضربت صدرها في النياحة، وقيل : ضربت وجهها في المآتم.
(٢) الأمالي للطوسي: ٩١.
(٣) الإرشاد للمفيد: ٢٤٤، ووقعة الطف : ٢٦٢، ٢٦٣ .
فتعلّقت به عمّته زينب وقالت: ياابن زياد، حسبك من دمائنا، واعتنقته وقالت: لا والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني معه، فقال لها علىّ
عليه السلام
:
اسكتي يا
عمّة
حتى
أُكلّمه
، ثمّ أقبل عليه فقال:
أبالقتل تهدّدني ياابن زياد؟ أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة؟
ثمّ أمر ابن زياد بعلي بن الحسين
عليه السلام
وأهل بيته فحملوا إلى دار بجنب المسجد الأعظم، ولمّا أصبح ابن زياد أمر برأس الحسين
عليه السلام
فطيف به في سكك الكوفة كلّها وقبائلها، ولمّا فرغ القوم من الطواف به في الكوفة ردّوه إلى باب القصر
.
ثمّ إنّ ابن زياد نصب الرؤوس كلّها بالكوفة على الخشب، كما أنّه كان قد نصب رأس مسلم بن عقيل من قبل بالكوفة.
وكتب ابن زياد إلى يزيد يخبره بقتل الحسين
عليه السلام
وخبر أهل بيته
. كما بعث إلى عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة ـ وهو من بني أمية ـ يخبره بقتل الحسين
عليه السلام
.
ولمّا وصل كتاب ابن زياد إلى الشام أمره يزيد بحمل رأس الحسين عليه السلام
ورؤوس من قتل معه إليه، فأمر ابن زياد بنساء الحسين عليه السلام
وصبيانه فجُهِّزوا، وأمر بعليّ بن الحسين عليهما السلام
فغُلّ بغِلٍّ إلى عنقه، ثمّ سرّح بهم في أثر الرؤوس مع مجفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن، وحملهم على الأقتاب، وساروا بهم كما يسار بسبايا الكفار، فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرؤوس، فلم يكلّم عليّ بن الحسين عليه السلام
أحداً منهم في الطريق بكلمة حتى بلغوا الشام
.
ــــــــــــــ