هو جعفر بن المعتصم بن الرشيد ، أُمّه أُمّ ولد اسمها شجاع .
أظهر الميل إلى السنّة ، ورفع المحنة وكتب بذلك إلى الآفاق سنة (٢٣٤ هـ) ، واستقدم المحدّثين إلى سامرّاء وأجزل عطاياهم وأمرهم أن يحدّثوا بأحاديث الصفات والرؤية .
وقالوا عنه : إنّه كان منهمكاً في اللذات والشراب ، وكان له أربعة آلاف سُرِّيّة ( أمَة يتسرّى بها ) .
وقال علي بن الجهم : كان المتوكل مشغوفاً بقبيحة أم المعتزّ ، والتي كانت أُم ولد له ، ومن أجل شغفه بها أراد تقديم ابنها المعتزّ على
ــــــــــــــ
ابنه المنتصر بعد أن كان قد بايع له بولاية العهد ، وسأل المنتصر أن ينزل عن العهد فأبى ، فكان يُحضره مجلس العامّة ويحطّ منزلته ويتهدّده ويشتمه ويتوعّده
.
وكان المتوكل مسرفاً جداً في صرف بيت المال على الشعراء الذين يتقرّبون إليه بالمديح ـ في الوقت الذي كان عامة الناس يشتكون الفقر والحاجة ـ حتى قالوا : ما أعطى خليفة شاعراً ما أعطى المتوكّل ، وفيه قال مردان ابن أبي الجنوب :
فامسِك ندى كفّيك عنّي ولا تزد
|
|
فقد خفتُ أن أطغى وأن اتجبّرا
|
فقال المتوكل : لا أمسك حتى يغرقك جودي ، وكان قد أجازه على قصيدة بمائة ألف وعشرين ألفاً
.
ولعلّ مَن وصف المتوكل بالجود سوف يتراجع عن وصفه إذا سمع أن المتوكّل قال للبحتري : قُل فيّ شعراً وفي الفتح بن خاقان ، فإنّي أحب أن يحيا معي ولا أفقده فيذهب عيشي ولا يفقدني ، فقل في هذا المعنى ، فقال البحتري :
يا سيّدي كيف أخلفتَ وعدي
|
|
وتثاقلت عن وفاء بعهدي ؟
|
لا أرتني الأيام فقدك يا فتـ
|
|
ـحُ ولا عَرَّقتْك ما عشتَ فقدي
|
أعظم الرزء أن تقدّمَ قبلي
|
|
ومن الرزء أن تؤخّر بعدي
|
حذراً أن تكون إلفاً لغيري
|
|
إذ تفرّدت بالهوى فيك وحدي
|
وقد قتل المتوكل والفتح بن خاقان في مجلس لهوهما في ساعة واحدة وفي جوف الليل في الخامس من شوّال سنة (٢٤٧ هـ) كما سوف يأتي بيانه .
ــــــــــــــ