يا بْنَ آدَمَ ! تَفَكَّرْ وَقُلْ أَيْنَ مُلُوكُ الدُّنْيا وَأَرْبابُها ،
الَّذينَ عَمَّرُوا ، وَاحْتَفَرُوا أَنْهارَها وَغَرَسُوا أَشْجارَها ، وَمَدَّنُوا مَدائِنَها ! ؟ فارَقُوها
وَهُمْ كارِهُونَ ! وَوَرِثَها قَوْمٌ آخَرُونَ ! وَنَحْنُ بِهِمْ عَمّا قَليل لاحِقُونَ .
يا ابْنَ آدَمَ ! اذْكُرْ مَصْرَعَكَ ، وَفي قَبْرِكَ مَضْجَعَكَ ، وَمَوْقِفَكَ بَيْنَ يَدَي اللهِ
تَشْهَدُ جَوارِحُكَ عَلَيْكَ ، يَوْمَ تَزِلُّ فيهِ الاَْقْدامُ ، وَتَبْلُغُ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ ، وَتَبْيَضُّ
وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ، وَتَبْدُو السَّرائرُ ، وَيُوضَعُ الْميزانُ الْقِسْطُ !
يا ابْنَ آدَمَ ! اذْكُرْ مَصارِعَ آبائِك وَأبْنائِكَ كَيْفَ كانُوا وَحَيْثُ حَلُّوا ، وَكَأَنَّكَ
عَنْ قَليل قَدْ حَلَلْتَ مَحَلَّهُمْ وَصِرْتَ عِبْرةً لِلْمُعْتَبِرِ ،
وأنشد شعراً :
أَيْنَ الْمُلُوكُ الَّتي عَنْ حِفْظِها غَفَلَتْ * حَتّى سَقاها بِكَأْسِ الْمَوْتِ ساقيها
تِلْكَ الْمَدائِنُ فِي الآْفاقِ خالِيَةٌ * عادَتْ خَراباً وَذَاقَ الْمَوتَ بانيها
أَمْوالُنا لِذَوي الْوُرّاثِ نَجْمَعُها * وَدُورُنا لِخَرابِ الدَّهْرِ نَبْنيها

المصدر:
إرشاد القلوب : 29 ، بلاغة الحسين ( عليه السلام )