قَدْ عَلِمَ السَّرائِرَ، وَخَبَرَ الضَّمائِرَ، لَهُ الاِْحَاطَةُ بِكُلِّ شَيْء، وَالْغَلَبَةُ لِكُلِّ شَيْء، وَالْقُوَّةُ عَلى كُلِّ شَيْء.
[عظة النّاس]
الْمِعْذِرَةَ، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ، وَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، وَأَنْذَرَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَاب شَديد. فَاسْتَدْرِكُوا بَقِيَّةَ أَيَّامِكُمْ، وَاصْبِرُوا لَهَا أَنْفُسَكُمْ(1)، فَإِنَّهَا قَلِيلٌ فِي كَثِيرِ الاَْيَّامِ الَّتِى تَكُونُ مِنْكُم فِيهَاالْغَفْلَةُ وَالتَّشَاغُلُ عَنِ الْمَوْعِظَةِ; وَلاَ تُرَخِّصُوا لاَِنْفُسِكُمْ، فَتَذْهَبَ بِكُمُ الرُّخَصُ مَذَاهِبَ الْظَّلَمَةِ(2)، وَلاَ تُدَاهِنُوا(3) فَيَهْجُمَ بِكُمُ الاِْدْهَانُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. عِبَادَ اللهِ، إِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ، وَإِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصَاهُمْ لِرَبِّهِ; وَالْمَغْبُونُ(4) مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ، وَالْمَغْبُوطُ(5) مَنْ سَلِمِ لَهُ دِينُهُ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَالشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاهُ وَغُرُورِهِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَإِ(6) شِرْكٌ، وَمُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ ____________ 1. اصبروا أنفسكم: اجعلوا لانفسكم صبراً فيها. 2. الظّلَمة: جمع ظالم. 3. المُداهَنَة: إظهار خلاف ما في الطّوِيّة، والادهان مثله. 4. المَغْبون: المخدوع. 5. المَغْبُوط: المستحق لتطلّع النفوس إليه، والرغبة في نيل مثل نعمته. 6. الرياء: أن تعمل ليراك الناس، وقلبك غير راغب فيه.
لِلاِْيمَانِ(1)، وَمَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ(2). جَانِبُوا الْكَذِبَ فَإِنَّهُ مُجَانِبٌ لِلاِْيمَانِ، الصَّادِقُ عَلَى شَفَا مَنْجَاة وَكَرَامَة، وَالْكَاذِبُ عَلَى شَرَفِ مَهْوَاة وَمَهَانَة. لاَ تَحَاسَدُوا، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الاِْيمَانَ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، وَلاَ تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ(3)، وَاعْلَمُوا أَنَّ الاَْمَلَ يُسْهِي الْعَقْلَ، وَيُنْسِي الذِّكْرَ، فَأَكْذِبُوا الاَْمَلَ فَإِنَّهُ غُرُورٌ، وَصَاحِبُهُ مَغْرُورٌ.
1. مَنْساةٌ للايمان: موضع لنسيانه، وداعية للذهول عنه. 2. مَحْضَرةٌ للشيطان: مكان لحضوره، وداع له. 3. فانّها: أي المباغضة. الحالقة: أي الماحية لكلّ خير وبركة.