ترصدوا مواعيد الآجال، و باشروها بمحاسن الأعمال، و لا تركنوا إلى ذخائر الأموال،
فتخليكم خدائع الآمال، إن الدنيا خداعة صراعة، مكارة غرارة سحارة، أنهارها لامعة، و
ثمراتها يانعة، ظاهرها سرور، و باطنها غرور، تأكلكم بأضراس المنايا، و تبيركم
بإتلاف الرزايا، لهم بها أولاد الموت، و آثروا زينتها، فطلبوا رتبتها، جهل الرجل، و
من ذلك الرجل المولع بلذاتها، و الساكن إلى فرحتها، و الآمن لغدرتها! دارت عليكم
بصروفها، و رمتكم بسهام حتوفها، فهي تنزع أرواحكم نزعا، و أنتم تجمعون لها جمعا،
للموت تولدون، و إلى القبور تنقلون، و على التراب تنومون، و إلى الدود تسلمون، و
إلى الحساب تبعثون.
يا ذا الحيل و الآراء، و الفقه و الأنباء، اذكروا مصارع الآباء، فكأنكم بالنفوس قد
سلبت، و بالأبدان قد عريت، و بالمواريث قد قسمت، فتصير- يا ذا الدلال و الهيئة و
الجمال- إلى منزلة شعثاء، و محلة غبراء، فتنوم على خدك في لحدك، في منزل قل زواره،
و مل عماله، حتى تشق عن القبور و تبعث إلى النشور، فإن ختم لك بالسعادة صرت إلى
الحبور، و أنت ملك مطاع، و آمن لا يراع، يطوف عليكم ولدان كأنهم الجمان بكأس من
معين بيضاء لذة للشاربين، أهل الجنة فيها يتنعمون، و أهل النار فيها يعذبون، هؤلاء
في السندس و الحرير يتبخترون، و هؤلاء في الجحيم و السعير يتقلبون، هؤلاء تحشى
جماجمهم بمسك الجنان، و هؤلاء يضربون بمقامع النيران، هؤلاء يعانقون الحور في
الحجال، و هؤلاء يطوقون أطواقا في النار بالأغلال، في قلبه فزع قد أعيا الأطباء و
به داء لا يقبل الدواء.
يا من يسلم إلى الدود و يهدى إليه، اعتبر بما تسمع و ترى، و قل لعينيك تجفو لذة
الكرى، و تفيض من الدموع بعد الدموع تترى، بيتك القبر بيت الأهوال و البلى، و غايتك
الموت يا قليل الحياء
اسمع يا ذا الغفلة و التصريف، من ذي الوعظ و التعريف، جعل يوم الحشر يوم العرض و
السؤال، و الحباء و النكال، يوم تقلب إليه أعمال الأنام، و تحصى فيه جميع الآثام،
يوم تذوب من النفوس أحداق عيونها، و تضع الحوامل ما في بطونها، و يفرق بين كل نفس و
حبيبها، و يحار في تلك الأهوال عقل لبيبها، إذ تنكرت الأرض بعد حسن عمارتها، و
تبدلت بالخلق بعد أنيق زهرتها، أخرجت من معادن الغيب أثقالها، و نفضت إلى الله
أحمالها، يوم لا ينفع الجد إذ عاينوا الهول الشديد فاستكانوا، و عرف المجرمون
بسيماهم فاستبانوا، فانشقت القبور بعد طول انطباقها، و استسلمت النفوس إلى الله
بأسبابها، كشف عن الآخرة غطاؤها، و ظهر للخلق أنباؤها، ف دكت الأرض دكا دكا، و مدت
لأمر يراد بها مدا مدا، و اشتد المثارون إلى الله شدا شدا، و تزاحفت الخلائق إلى
المحشر زحفا زحفا، و رد المجرمون على الأعقاب ردا ردا، و جد الأمر- ويحك يا إنسان-
جدا جدا، و قربوا للحساب فردا فردا، و جاء ربك و الملك صفا صفا، يسألهم عما عملوا
حرفا حرفا، فجيء بهم عراة الأبدان، خشعا أبصارهم، أمامهم الحساب، و من ورائهم
جهنم، يسمعون زفيرها، و يرون سعيرها، فلم يجدوا ناصرا و لا وليا يجيرهم من الذل،
فهم يعدون سراعا إلى مواقف الحشر، يساقون سوقا، ف السماوات مطويات بيمينه كطي
السجل للكتب، و العباد على الصراط وجلت قلوبهم، يظنون أنهم لا يسلمون، و لا يؤذن
لهم فيتكلمون، و لا يقبل منهم فيعتذرون، قد ختم على أفواههم، و استنطقت أيديهم
و أرجلهم بما كانوا يعملون.
يا لها من ساعة ما أشجى مواقعها من القلوب حين ميز بين الفريقين! فريق في الجنة و
فريق في السعير، من مثل هذا فليهرب الهاربون، إذا كانت الدار الآخرة لها يعمل
العاملون.
الامالي(للطوسي)